|
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى :
الإهــــــــــــــــــداء
إلى
كل راعٍ مسؤولٌ عن رعيتهِ
ملخص الدراسة
إن دراسة مثل هذا النوع من الأبحاث ليس
بالأمر الهين ، لكوننا نبحث في الشريعة الإسلامية التي تحتاج إلى تخصص دقيق ومتعمق
في أمور الدين الإسلامي ، ولكنني توكلت على المولى عز وجل في هذه الدراسة من خلال
خبرتي الدينية والدنيوية ، والتي هدفت منها إلى إظهار أن الله عز وجل خلق للإنسان
كل ما يحتاجه من أجل العيش على سطح الكرة الأرضية وتعميرها ،وعليه أن يسعى ويجتهد
بكل السبل من أجل تنمية وتطوير ماأعطاه الله من خيرات مباشرة الاستعمال أو غير
مباشرة الاستعمال ، قال تعالى : (قال
ربنا الذي أعطى كل شيءٍ خلقه ثم هدى )(طه :50) ،
وجاء تأكيد هذا الهدف من خلال مناقشة الأدلة الشرعية لفرضيتي
الدراسة ، والتي أظهرت صدق النظرية التي تنص على أن
الفرضية الأولى التي يفترض الباحث فيها أن المؤسسة السياسية الشرعية
المتمثلة في الحاكم الصالح العادل قادرة
على تنمية القطاعات الاقتصادية بالدولة بمختلف مجالاتها حتى إذا لم يتوفر في الدولة
الكثير من مقومات تلك التنمية.
كما أظهرت أيضا الأدلة الشرعية صدق الفرضية
الثانية التي يفترض الباحث فيها أنه يمكن
للدولة الفقيرة في بعض مواردها الطبيعية والبشرية إلى حدٍ ما أن تصبح دولة متقدمة
ومتطورة اقتصادياً طالما توفرت رؤوس الأموال مقومات التنمية الاقتصادية.
ومن أهم النتائج التي توصل إليها الباحث هي : إن الله عزوجل إنزل في منزل التحكيم كافة القوانين
الاقتصادية التي تحتاجها التنمية لجميع قطاعات الدولة .
وأن تنويع الاستثمار الشعبي في كافة المجالات
المختلفة بتوازن من أجل الوصول إلى تنمية اقتصادية حقيقة تضمن رقي الدولة وتقدمها
هي مسؤولية ولي الأمر بدليل أن الحالة الاقتصادية بالدولة قديما ، وحديثاً مرتبطة
بحالة المؤسسة الشرعية الحاكمة في البلاد.
أما خلاصة التوصيات
والاقتراحات فهي تأكد على ضرورة اتباع المنهج الإسلامي في استغلال الموارد
الطبيعية والبشرية التي وهبها المولى عز وجل الإنسان ، وفي تنمية كافة المجالات
الاقتصادية بالدولة وبتوازنٍ بينها حتى لا يكون هناك خلل في اقتصاد الدول.وعلى الرعية إطاعة ولي أمر
البلاد في غير معصية المولى عز وجل ، إذا إراد إصلاح وتنمية القطاعات الاقتصادية
من أجل مصلحة الرعية وتقوية البلاد.
الإطار العام للدراسة
|
1-
توطئة :
هناك الكثير من دول العالم
تمتلك الكثير من الموارد الطبيعية التي وهبها المولى عز وجل لها ، ولم تستغلها
الدولة استغلال جيدا يتناسب مع قدرات تلك الدولة ، بالإضافة إلى الموارد البشرية
التي أنفقت على إعدادها المليارات من
الأموال دون الاستفادة منها في مجالاتها المختلفة ، مما أدى ذلك إلى بقاء تلك
الدول على حالة الفقر والتأخر والتقهقر التنموي الاقتصادي على الرغم من قدم نشأة
تلك الدولة ، وذلك بسبب عدم الإنتماء الحقيقي للوطن والدين ،الذي يؤدي إلى الفساد
في معظم مؤسسات الدولة، فيقدم الفرد المسؤول مصحلته الذاتية على المصلحة العامة.
وهناك الكثير من الدول لم يكن
لديها الكثير من الموارد الطبيعية أو البشرية بالقدر الكاف الذي يمكنها من أن تصبح
من الدول المتقدمة في جميع المجالات ،لأن جميع المجالات سواء الاقتصادية أو
الاجتماعية أو السياسية ، أو الخدماتية مرتبطة ببعضها البعض إذا أرادت تلك الدول
أن لديها تنمية كاملة متوازنة، ولكن استطاعت أن تسبق الدول التي وهبها الله موارد كثيرة . وهذا سببه الإنتماء الحق إلى الدين ،
والمواطنة الصادقة اتجاه الوطن والشعب ، وتغليب المصلحة العامة على المصلحة
الذاتية .
2- مشكلة الدراسة : تكمن مشكلة الدراسة في عدم استغلال الكثير من
البشر للموارد الطبيعية التي وهبها الله عز وجل لهم بالطرق الصحيحة التي تمكنهم من
تنمية اقتصادية قوية لدولهم لتحقيق مستوى معيش راق لشعبهم.
ويجيب عن المشكلة السؤالين الرئيسين
التاليين وهما : هل للإدارة الحاكمة
الناجحة القدرة على التنمية الاقتصادية للدولة على الرغم من فقرها في الكثير من
الموارد الطبيعية والبشرية ؟. وهل يمكن الحكم على الدولة الصحراوية الفقيرة في بعض
مواردها بأنها دولة ضعيفة اقتصاديا يصعب تنمية قطاعاتها المختلفة ؟.
3-أهمية الدراسة : يرى الباحث من خلال دراستة بأن موضوع الدراسة له أهمية اقتصادية
كبيرة من خلال :
أ- إظهار ضرورة العمل بما جاء في كتاب الله عز وجل وسنة رسولة الكريم محمد
عليه الصلاة والسلام.
ب- تبين للكثير من الخلق خاصة المؤسسات الحكومية الحاكمة في الدولة
ورؤسائها بإمكانية التنمية الاقتصادية للدولة والوصول بها إلى مصاف الدول المتقدمة
حتى ولو كانت فقيرة في بعض مواردها .
ج- تبعث روح الآمل لدي الكثير من المؤسسات الحاكمة بإعادة النظر في هيكلية
أطر التنمية الاقتصادية بالدولة.
4- أهداف الدراسة : يهدف الباحث من دراسته مايلي :
· إظهار
أن المولى عز وجل خلق الإنسان على كوكب
الأرض، وقد وفر له كل شروط الحياة التي تجعله يعمر الأرض كما أراد ويريد الله عز
وجل.
·
أن
التنمية الاقتصادية في الدولة تتوقف على قدرة الحاكم وحاشيته مع توفر بعض
الأمكانات الطبيعية والبشرية.
5- فرضيات البحث : افتراض الباحث لفرضيات دراسته استنادا إلى الشريعة الإسلامية :
تدور هذه الدراسة حول فرضيتين اعتبرهما
الباحث محورين وعاملين أساسين في تنمية القطاعات المختلفة بالدولة ، وهما :
الفرضية الأولى :
يفترض الباحث أن
المؤسسة
السياسية الشرعية المتمثلة في الحاكم الصالح العادل قادرة على تنمية القطاعات الاقتصادية بالدولة بصفة عامة
حتى إذا لم يتوفر في الدولة الكثير من مقومات تلك التنمية .
الفرضية الثانية :
يفترض الباحث أنه يمكن للدولة الفقيرة في بعض مواردها
الطبيعية والبشرية إلى حدٍ ما أن تصبح دولة متقدمة ومتطورة اقتصادياً طالما توفرت
رؤوس الأموال التي
يستطيع ولي الأمر أن يوفرها بالطرق المشروعة.
6- حدود الدراسة : في الحقيقة لم تقتصر الدراسة على منطقة
معينة من العالم كما جرت العادة في
الدراسات البحثية ، وإنما تطال كل منطقة أو دولة تنطبق عليها الدراسة ، خاصة
المناطق الصحراوية الجافة.
7- منهج الدراسة
: لطالما يُبحث في إطار الجغرافية الاقتصادية، وكونها دراسة أصولية شرعية تستند
إلى قوانين اقتصادية شرعية ، فإن الباحث اتبع في دراسته المنهج الأصولي ، الذي يهتم
بالأصول ، والأسس والمبادئ و القوانين الاقتصادية ومستلزمات الاستثمار الاقتصادي
للموارد المختلفة الطبيعية - عناصر البيئة الطبيعية من مناخٍ ، وتربة ، وسطح ، ومصادر المياه ،
والنبات - التي وهبها المولى عز وجل للإنسان ، والبشرية - كأعداد السكان ،
وتوزيعهم الجغرافي ومستواهم الحضاري والفني ، وطريقة الحكم ودورها في استغلال الموارد الطبيعية
والبشرية - التي تؤثر في نواحي الإنتاج
المختلفة وكيفية استغلالها ، وهي عوامل
لها دور مباشر في تحديد كمية ونوعية وكيفية التنمية الاقتصادية.
8- أهم المصادر
التي يمكن استخدامها :
اعتمد
الباحث في دراسته على القرآن الكريم ، وكتب التفسير ، والسنة النبوية ، والمراجع
التي تطرقت لبعض جزئيات موضوع الدراسة ، والمتوفرة في المراكز الثقافية الحكومية
المتخصصة. والخبرة الحياتية من خلال البحوث العلمية ، والملاحظة المستمرة من خلال
الرحلات الميدانية .
9- متن البحث
: يتكون متن البحث من أربعة فصول ، الفصل
الأول تناول فيه الباحث الإطار العام للدراسة ، والفصل الثاني ، يعرض الأطار
النظري ، والدراسات السابقة لموضوع البحث ،أما الفصل الثالث فيبحث في الأدلة الشرعية
لفرضيات الدراسة ، والفصل الرابع يعرض
نتائج وتوصيات الدراسة ، ومراجع البحث.
10- صعوبات الدراسة
: لا تخلو دراسة بحثية من أي صعوبات ، ولكنها تتفاوت من دراسةٍ إلى أخرى .
فالصعوبات التي واجهت الباحث أثناء دراستة لمشكلة البحث هي عدم وجود دراسات سابقة
متخصصة ومباشرة للمشكلة .
*****
الأدب النظري والدراسات السابقة
|
أولاً: المصطلحات
الأساسية للدراسة : من
الضروري جداً في البحوث أن يعرض الباحث أهم المصطلحات الأساسية الواردة في البحث
لكي يتمكن القارئ من فهم ما تدور حوله الدراسة ، وهي على النحو التالي :
1- السياسة
الشرعية : السياسة لغة : السياسة مصدر : ساس الناس يسوسهم إذا دبر
أمورهم وتصرف فيها . ومن ذلك الحديث الشريف :" كان بنوا إسرائيل تسوسهم
أنبياؤهم" أي يتولون أمورهم – كما يصنع الولاة بالرعية.
وقول بنت
النعمان : فينا تسوس الناس والأمر أمرنا وإذا نحن فيهم سوقة نتصرف.
السياسة إصطلاحاً : الأحكام والتصرف
التي تدبر بها شئون الأمة في حكومتها وتشريعها وقضائها وفي حميع سلطانها وعلاقاتها
بغيرها من الأمم أي أنها كل النظم
والتشريعات التي تساس بها الأمة في الداخل والخارج ما يتعلق بسياسة الأمة
قضائياً ،وما يحدد تصرف الأمة في الشئون الخارجية لها في حدود ما رسمه الشرع الإسلامي
، لذا يمكن أن يطلق على هذه النظم والسياسات اسم السياسة الشرعية طالما كان مصدر
هذه السياسة هو الكتاب والسنة والأجماع والقياس ، وما يعود إلى هذه المصادر من
مصادر أخرى للتشريع الإسلامي.
اعتنق الكثير من المفكرون في العصور المختلفة
نظريات عديدة لتبرير مشروعية السيادة لسلطة
الحاكم أو الحكام مثل نظرية الحق الإلهي المباشر، ونظرية العقد الاجتماعي التي
اعتنقها ثلاثة من المفكرون على خلاف بينهم في تفصيلاتها،وهم "هوبز"
و" لوك" ، وجان جاك روسو" والذي يرى فيها أن الإنسان كان يعيش
قبل نشأة الدولة في حرية كاملة،ولكن نظراً لتعارض المصالح والميول والنزعات
الشريرة ،فقد اضطر الأفراد إلى البحث عن نظام يكفل لهم الأمن ،ويحقق العدالة
فتعاقدوا على إنشاء مجتمع سياسي يخضع لسطلة عليا ،ويعتبر هذا العقد هو أساس نشأة
الدولة ،وسند السلطة معاً،ومؤدى العقد عند روسو هو أن الأفراد تنازلوا عن حرياتهم
الطبيعية للجماعة مقابل الحصول على حريات مدنية جديدة يكفلها المجتمع لهم على أساس
المساواة ،وأن العقد قد تولد عنه إرادة عامة هي إرادة الجماعة ،وهي مستقلة عن
إرادة كل فرد على حدة ،وهي مظهر لسيادة المجتمع ،وتعبير عن هذه السيادة ،ولايجوز
التنازل عنها ،أما الحاكم طبقاً لهذه النظرية فهو ليس طرفاً في العقد ،ولكنه وكيل
عن الجماعة (الأمة) وفقاً لإرادتها ،ولها الحق عزله متى أرادت ذلك.
أماالسياسة الشرعية : فيرجع فيها الحكم
إلى أحكام القرآن والسنة النبوية الشريفة بصفة أساسية ،وهذان المصدران يتميزان
بالمرونة التي تلائم جميع الأزمان والأماكن والمجتمعات ،مع المحافظة على القواعد
الكلية التي أوردتها آيات القرآن الكريم وتولت شرحها وتوضيحها السنة النبوية
الشريفة ،والتي تتلخص في العدل والمساواة والشورى .
وهي الأحكام
التي تنظم بها السياسية الشرعية مرافق
الدولة وتدبر بها شئون الأمة بشرط أن تكون مشتقة من روح الشريعة ونازلة على أصولها
الكلية ومحققة لأغراضها الاجتماعية ، ورفع الحرج عن الناس ودفع المفاسد وسد
الذرائع. وجعل الحكم شورى بين الناس ، كل هذا أساسيات السياسة الشرعية.
يعرف بعض
الفقهاء المسلمين السياسة بأنها: الحزم ، بينما يرى الآخرون على أنه لا
سياسة"إلا ما وافق الشرع". ويرى بن عقيل : أن السياسة الشرعية ما كان من
الأفعال بحيث يكون الناس معه أقرب إلى الصلاح ، وأبعد عن الفساد،وإن لم يصغه
الرسول صلى الله عليه وسلم ولانزل به وحي.فإن أردت بقولك: لا سياسة إلا ما وافق
الشرع.([1])
ويرى عبد الرحمن بن علي بن الجوزي :إن السياسة
الصحيحة هي : " تحقيق العدالة عن طريق الشورى" وبأن الشريعة الإسلامية
هي سياسة
إلاهية كاملة، ويطلق عليها ابن تيمية " السياسة
الشرعية.([2])
واقصد هنا في دراستي بأنها المؤسسة السياسية
الشرعية الحكومة الوزارية التي يختارها ويعينها الحاكم بناءً على رغبة الرعية ، والذي
يكون الحاكم نفسه راعاً للجميع فيها ،والتي تختار من قبل أفراد الشعب ،من أجل
توفير الحياة الكريمة للرعية من خلال تنمية القطاعات الاقتصادية من خلال الاستغلال
السليم والناجح لموارد البلاد والحرص عليها لتوفيرها للآجيال القادمة لإسعادهم لا إشقائهم
وقهرهم، ولتسيير شئون البلاد والرعية في الداخل والخارج ولتوفير الآمن والرخاء لكل
أفراد المجتمع وفق ماشرعه الله ورسوله صل الله عليه وسلم.
سوف استخدم
هنا أثناء حديثي عن فرضيات النظرية تعبير
التنمية الاقتصادية بدلاً من التركيز على قطاع اقتصادي معين، لذا وجب تحديد المفاهيم
التالية :
2- مفهوم التنمية : النماء في اللغة
هو الزيادة ، ويقال نمى الشيء إذا زاد وارتفع، والتنمية هي العمل على إحداث
النماء.
أما التنمية
في الفكر الاقتصادي : فهي تعني التدخل الإرادي من قبل الدولة لإجراء التغييرات
الجذرية في هيكل الاقتصاد الوطني ودفع المتغيرات الاقتصادية نحو النمو السريع الذي
يحقق مزيداً من التقدم الاقتصادي والرفاه للمواطنين.
وقد اختلف فقهاء علم الاقتصاد حول تعريف التنمية
الاقتصادية. فقد عرفها " بالدوين " على أنها عبارة عن عملية يزداد
بواستطها الدخل القومي الحقيقي للنظام الاقتصادي خلال فترة طويلة من الزمن، وعرفها
" منيت " بأنها عملية مستمرة لمدة طويلة وليست جهداً آنياً
لزيادة الإنتاج فقط. كما عرفها " عجمية " بأنها مجموعة المحاولات
التي تهدف إلى تغيير الهيكل الاقتصادي للمجتمع بما يترتب عليه تحسين الوضع النسبي
لرأس المال وفي نفس الوقت استخدامه بأقصى درجة من الكفاية([3]).
وذهب "
مطانيوس حبيب " إلى الشمولية فقد تضمن تعريفه مجموعة من العوامل التي
تهدف إلى التزايد المستمر في الناتج القومي وهو: التنمية الاقتصادية مجموعة من
الإجراءات والتدابير الاقتصادية والاجتماعية والثقافة الهادفة إلى بناء آلية
اقتصادية ذاتية،تضمن تحقيق زيادة حقيقية مضطردة في الناتج الإجمالى ورفع مستمرٍ
لدخل الفرد الحقيقي. كما تهدف إلى تحقيق توزيع عادل لهذا الناتج بين طبقات الشعب
المختلفة التي تساهم في تحقيقه.
وعرفها " العمادي " بأنها
العملية التي يتم بموجبها تحقيق زيادة حقيقية في الناتج القومي لاقتصاد معين خلال
فترة طويلة من الزمن ،ويقصد بالعملية مجموعة الإجراءات التي تقوم بها الدولة
لإحداث تغييرات بين عوامل الإنتاج بين الزراعة والصناعة وبين الصناعة والتجارة والقطاعات
الأخرى. ويقصد بالزيادة المستمرة في الناتج القومي استمرارها لسنوات طويلة لتتمكن
هذه الدولة أو تلك من إشباع الحاجات المادية والمعنوية المتزايدة للسكان([4]).
ويذكر " القرنشاوي" : أن التنمية الاقتصادية ذات مضمون
ديناميكي ،حيث يعني تحقيق الإنسان من خلال عمله درجات متزايدة من السيطرة على
الموارد المتاحة في الكون والتي سخرها الله سبحانه وتعالى لخدمته ، وذلك لتحقيق
تمام الكفاية وهو ما يتناسب مع متوسط المعيشة السائد في المجتمع المسلم ، ويعني
ذلك تحقيق مستويات متزايدة من الدخل،ومن عناصر القدرة الاقتصادية ،إلى جانب مشاركة
الدولة في إشباع الحاجات الأساسية لغير القادرين وتوفيرها للاستقرار والأمن
الداخلي والخارجي([5]).
أما
مفهوم التنمية في الفكر الإسلامي فإنه لا يختلف جذرياً عن المفاهيم سابقة الذكر، وإنما
يركز بشكل أساسي على النعم والخيرات التي سخرها الله للإنسان وهو متقاعس لم يعمل
على استغلالها وجعلها في خدمته.
ثانياً:
الدراسات السابقة :
الدراسة حديثة من نوعها ، فحسب علمنا لم نجد خلال
البحث في المكتبات العامة دراسة متخصصة في موضوع الدراسة ، وإنما المتوفر منها تفسير
للآيات القرأنية التي جاءت في سياق بعض
كتب التفسير . ولكنني سوف أعرض بعض هذه الدراسات التي تناولت بعض عناصر الموضوع
بطريقة غير مباشرة ، وهي على النحو التالي :
أ- محمد العمادي
في كتابه التنمية الاقتصادية والتخطيط ،
جامعة دمشق ، المطبعة العلمية ،ط،1971 ، الصفحات (5 ،8). ذكر فيه أن الزيادة
المستمرة في الناتج القومي لابد أن تستمر لسنوات طويلة لكي تتمكن هذه الدولة من
إشباع الحاجات المادية والمعنوية المتزايدة للسكان.
ب-
القرنشاوى في ندوته التمويل والتنمية في
إطار إسلامي ، القاهرة عام 1986م ، الصفحات(6،8) ، يعني في دراسته تحقيق الإنسان
من خلال عمله درجات متزايدة من السيطرة على الموارد المتاحة في الكون والتي سخرها
الله سبحانه وتعالى لخدمته،وذلك لتحقيق تمام الكفاية وهو ما يتناسب مع متوسط
المعيشة السائد في المجتمع المسلم، ويعني ذلك تحقيق مستويات متزايدة من الدخل،ومن
عناصر القدرة الاقتصادية ،إلى جانب مشاركة الدولة في إشباع الحاجات الأساسية لغير
القادرين وتوفيرها للاستقرار والأمن الداخلي والخارجي.
ج-
مطانيوس حبيب، في كتابه التنمية الاقتصادية ، جامعة دمشق،عام 1989، الصفحات(152،159)
، يرى السياسة الشرعية هي الأحكام التي تنظم بها السياسية الشرعية مرافق الدولة وتدبر بها شئون الأمة بشرط أن تكون
مشتقة من روح الشريعة ونازلة على أصولها الكلية ومحققة لأغراضها الاجتماعية ، ورفع
الحرج عن الناس ودفع المفاسد وسد الذرائع. وجعل الحكم شورى بين الناس كل هذا
أساسيات السياسة الشرعية.
وذكر عن
التنمية في الفكر الاقتصادي بأنها تعني التدخل الإرادي من قبل الدولة لإجراء
التغييرات الجذرية في هيكل الاقتصاد الوطني ودفع المتغيرات الاقتصادية نحو النمو
السريع الذي يحقق مزيداً من التقدم الاقتصادي والرفاه للمواطنين.
كما عرض
تعريف التنمية الاقتصادية عند " بالدوين "على أنها عبارة عن
عملية يزداد بواستطها الدخل القومي الحقيقي للنظام الاقتصادي خلال فترة طويلة من
الزمن، وعند " منيت " بأنها عملية مستمرة لمدة طويلة وليست جهداً
آنياً لزيادة الإنتاج فقط. وعند " عجمية " بأنها مجموعة المحاولات التي
تهدف إلى تغيير الهيكل الاقتصادي للمجتمع بما يترتب عليه تحسين الوضع النسبي لرأس
المال وفي نفس الوقت استخدامه بأقصى درجة من الكفاية.
د- محمد سعيد رمضان في كتابه فقه السنة النبوية
،القاهرة " دون تاريخ " ، ص219، تعتبر دراسته هي أقرب الدراسات إلى موضوع دراستنا ، حيث اعتبر المؤسسة السياسة الشرعية التي يتزعمها
الحاكم هي التي تتحمل المسؤولة الأولى
والكاملة في التنمية
الاقتصادية والتي تعود
إلى الحقوق التي
أعطاها الله سبحانه وتعالي لولي الأمر وحكومته من خلال الأدلة الشرعية المتمثلة في القرآن الكريم والسنة النبوية
كونهما أهم مصدرين للتشريع الإسلامي، " حيث أوجد الرسول عليه الصلاة والسلام
صيغة للعلاقات بين السلطة التشريعية التي أراد تأسيسها وجعلها الأساس الذي قامت
عليه الدولة الإسلامية بمقوماتها التنظيمية والإدارية والسياسية والدينية
والاقتصادية".
مناقشة أدلة فرضيات الدراسة
|
الفرضية الأولى: إن المؤسسة السياسة الشرعية التي يقودها
الحاكم تؤثر تأثيراً مباشراً وقوياً في تنمية قطاعي الصناعة والتجارة والقطاعات
الأخرى ذات العلاقة بهما. وقبل أن خوض في أدلة هذه الفرضية لابد من تحديد مفهوم
السياسة الشرعية كونها المحور الأساسي في هذه الفرضية.
فمنذ
القدم كانت حكومة حمورابي العربية مسؤولة تماماً عن وضع القوانيين التي شملت
نحو(300) مادة عرفت باسم شريعة حمورابي الذي اعتمد فيها على قوانين " أورنامو"
السومري ،والتي أهتمت بتنمية
قطاعات الصناعة والتجارة والمواصلات ،وتنظيم أمور السلطة ، وذلك ضمن عقود وصكوك وشروط تضعها الحكومة السياسية ،ودون
ذلك يعتبرونه باطل ،مما أدى ذلك إلى تنميتها وازدهارتلك القطاعات ، كما اهتموا
بقطاع التعليم وكذلك جمع العلوم وتعليمها أدراكاً
منهم أنها ضرورية جداَ ودونها لاتنهض التنمية في تلك القطاعات ، وهذا
ما كشفت عنه آثار " زيبارا " في أنقاض مدرسة أطفال ([6]).
واعتبار المؤسسة
السياسة الشرعية
التي يتزعمها الحاكم هي التي تتحمل
المسؤولة الأولى والكاملة في تنمية القطاعات الاقتصادية المختلفة ، وهذا يعود
إلى الحقوق التي
أعطاها الله سبحانه وتعالي لولي الأمر وحكومته من خلال الأدلة الشرعية المتمثلة في القرآن الكريم والسنة النبوية
كونهما أهم مصدرين للتشريع الإسلامي، "
([7]).
وبعد هذا العرض نعرض الأدلة الشرعية التي أتثبت هذه الفرضية وهي كما يلي :
1) إعطاء
المؤسسة السياسية الشرعية كامل الصلاحيات الشرعية في غير معصية الله ورسوله وتكريمها ووجوب طاعتها وأحترامها من قبل الرعية بالحدود
الشرعية حتى تتمكن من تنمية كافة القطاعات
الاقتصادية في الدولة من خلال الرعيه، ويحق لولي الأمر أن يأمرهم ويقاتهلم
، قال تعالي في ذلك
:" ياأيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى
الأمر منكم
..." النساء، الآية(60)،ويرى المفسرون هنا أن أولياء الأمور المراد
بهم الحكام المقيمين لشرع الله.
وتتطلب التنمية الاقتصادية
اهتمام كبير من
المؤسسة السياسة الشرعية ومن الرعية كذلك بجميع أطيافها من خلال الجهود المتواصلة
معاً من أجل زيادة الإنتاج الذي يحقق التنمية التي تهدف إلى تشغيل كافة الطاقات
البشرية المتعطلة.
كما ورد ذلك في سنة نبينا محمد
عليه الصلاة
والسلام أحاديث كثيرة في ذلك منها: فعن ابن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه الصلاة والسلام يقول: كلكم راعٍ ، وكلكم
مسؤول عن رعيته : الأمام راعٍ ومسؤول عن رعيته ، والرجل راعٍ في أهله ومسؤول عن
رعيته ، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها ،والخادم راعٍ في مال سيده
ومسؤول عن رعيته وكلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته" (متفق عليه)([8]).
وعن أبي يعلي معقل بن يسار قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه
وسلم يقول : ما من عبدٍ يسترعيه الله رعية ، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته،إلاحرم الله عليه
الجنة"(متفق عليه).
وفي رواية لمسلم " ما من أميرٍ يلي أمور
المسلمين ، ثم لايجهد لهم، وينصح لهم ، إلا لم يدخل معهم الجنة"([9]).
وفي رواية للبخاري "ما من والٍ يلي رعية من
المسلمين، فيموت وهو غاش لهم،إلا حرم الله عليه الجنة"([10]).
وعن عائذ بن عمرو أنه دخل على عبيد الله بن زياد، فقال له :أي
بني، إني سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول: إن شر الرعاء الخطمة([11])،فإياك أن تكون منهم" (متفق
عليه).
وعن أبي مريم الأزدي ، أنه قال
لمعاوية : سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول:" من ولاه الله شيئاً من
أمور المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم ، احتجب الله دون حاجته([12])، وخلته وفقره يوم القيامة"
فجعل معاوية رجلاً على حوائج الناس. (رواه أبوداود والترمذي ).
حدثنا
أبو الأشهب ،عن الحسن: أن عبيد الله بن زياد،عاد معقل بن يسار في مرضه الذي مات
فيه، فقال له معقل : إني محدثك حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم:
سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " ما من عبدٍ يسترعيه الله رعية،فلم
يحطها بنصيحة، لم يجد رائحة الجنة".([13])
وهذا يأتي في إطار توجيهات النظام السياسي القائم في
الدولة نحو العمل والاهتمام بتنمية القطاعات الاقتصادية الهامة في الدولة.
2) وجوب السمع و الطاعة للإمام ما لم تكن في معصية : نظير المسؤولية الكبيرة
الهامة التي تقع
على كاهل ولي
الأمر وحكومته فإن الإسلام كرمهم وأوجب طاعتهم فيما هو خير وإصلاح لتنمية البلاد ولما
ينفع الرعية .
ولقول المولى عز وجل:" ياأيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى
الأمر منكم
..." النساء، الآية(60). فعن أبي بكرة قال : سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول:
من أهان السلطان أهانه الله "( رواه الترمذي وقال حديث حسن)([14]).
وعن أبي هريره قال: قال رسول الله صل الله عليه
وسلم" من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن يطع الأمير
فقد أطاعني ، ومن يعصي الأمير فقد عصاني" (متفق عليه)([15]).
وعن أنس بن
مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام:اسمعوا وأطيعوا ،وإن
استعمل عليكم عبد حبشي،كأن راسه زبيبة"([16]).
وحدثنى نافع
،عن عبد الله رضي الله عنه ،عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" السمع والطاعة
على المرء المسلم فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصية ،فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا
طاعة"([17]).
3) قدرة المؤسسة السياسية الشرعية بقيادة الحاكم على جمع الأموال من رعيتهم حسب الطرق الشرعية التي شرعها
الله ورسوله، حيث بين الإسلام طرق اكتساب الأموال وتنميتها والأنتفاع
بها والمحافظة عليها وإنفاقها في مصارفها التي أذن الله بها ورغب فيها وإمساكه عما حرم الله
من ألوان السرف والترف لأن الإسلام يدرك القيمة الكبيرة للأموال التي تتوقف عليها الحياة في أصلها
وكمالها وسعادتها وعزها من علمٍ وصحة وقوة وتطوير وتنمية القطاعات
الاقتصادية المختلفة في الدولة مما ينفع الناس .
وقد نظر القرأن الكريم إلى الأموال النظرة الواقعية ،حيث وضعها بأنها
زينة الحياة الدنيا وسوى في ذلك بينها وبين الأبناء،قال تعالى:" المال
والبنون زينة الحياة الدنيا..." سورة الكهف ، الآية(46)، ووصفها بأنها قوام للناس وقوام
الشئ بأنه يحفظ ويستقيم ، وهي قوام المعاش والمصالح الخاصة والعامة ودونها
لاتستطيع المؤسسة السياسية الشرعية إن تفي بالتزامتها التنموية نحو قطاعاتها
الاقتصادية ومتطلبات الرعية وتحقيق الاكتفاء الذاتي. وبذلك يستطيع الحاكم وحكومته أن يجمع
الأموال من طرق كثيرة شرعها الله سبحانه وتعالى وبالقوة ويقاتل من امتنع
عن أعطائها وهي تتمثل
فيما يلي:
أ) الزكاة :
وهي فريضة أساسها التشريع الألهي الإسلامي والمستمد من القرآن الكريم والسنة
النبوية وقصرية إساسها التطبيق الكامل لأحكام القرآن والسنة التي
تستند إلى أحقية المؤسسة السياسية الشرعية بالدولة في
جبايتها وتأديتها من الأفراد كونها المكلفة الفعلية من قبل الله ورسوله لتطبيق وتنفيذ
تلك الأحكام التي وردت في القرآن الكريم وسنة نبيه محمد عليه أفضل الصلاة والسلام،ومنشأ ذلك إن المال كله لله وحده والإنسان
مستخلف فيه وعليه أن يقوم والي المؤسسة السياسية الشرعية بأعباء هذه الولاية من تصرف وإنفاق وغيره في تنمية البلاد من جميع جوانبها الأهم فالأهم وهكذا.
واستطاع الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام
والخلفاء الراشدين جمع الأموال بالطرق الشرعية ،وبها استطاعت الدولة الإسلامية من النهوض اقتصاديا
، وسياسيا من خلال الفتوحات الإسلامية ، حيث ينفقون من هذه الأموال على أوجه
الأنفاق التي حددها الله ، كون الإنسان خليفة الله في أرضه ومستأمن على المال، إذ
قال :" ولله
ما في السموات وما في الأرض" سورة النجم ،الآية(31) .
وقوله
" ... وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين امنوا منكم وأنفقوا لهم أجرٌ
كبيرٌ"
سورة الحديد، الآية(7) .
وقوله
"... وأتوهم من مال الله الذي اتاكم..." سورة النور الاية (33) ،وقوله " خذ من
أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم والله سميع عليم" سورة التوبة ، الآية(103).
وقال تعالى:" ثم جعلناكم خلائف في الأرض من
بعدهم لننظر كيف تعملون" سورة يونس،الآية(14).
ولأهمية الزكاة في تنمية البلاد اجتماعياً
واقتصادياً من خلال توزيعها على مستحقيها ربط المولى عز وجل بينها وبين الصلاة في
عدة آيات قرآنية لقوله تعالى :" فإن تابوا وأقاموا الصلاة واتوا الزكاة
فإخوانكم في الدين" سورة التوبة ،الآية (11).
وقوله تعالى : " وأقيموا الصلاة واتوا
الزكاة" سورة البقرة ، الآية (43).
وقوله عز وجل:" ويربي الصدقات والله لا يحب كل
كفار أثيم ،إن الذين امنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة واتوا الزكاة لهم أجرهم
عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون" سورة البقرة، الآيتان(276،277).
كما
يجوز للرعية أن يبايعوا وليهم على دفع الزكاة ، فعن ابن نمير قال: حدثني أبي:
حدثنا إسماعيل، عن قيس قال: قال جرير بن عبد الله :" بايعت النبي عليه الصلاة
والسلام على إقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والنصح لكل مسلم"([19]).
وقال ابن عباس رضي الله عنه : حدثني
أبوسفيان رضي الله عنه : فذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يأمرنا بالصلاة
والزكاة والصلة والعفاف".
وحتى تجبى الزكاة وتنفق في أوجهها
الصحيحة حدد القرآن الكريم القائمين على أجهزة تحصيل الزكاة ، وأعطى
الله عز وجل الحق للمؤسسة السياسية الشرعية تعيينهم بشروط على أن يكونوا مسلمين يتصفون بالأمانة والعدل والقوة إستناداً إلى قول المولى عز وجل: " إن خير من أستأجرت القوي
الأمين" سورة القصص،الآية (26) ([20]) ، والزكاة هي على الأموال و الزروع والحيوانات وعروض
الصناعة والتجارة
كما حددها الله وأمر بها رسول الله عليه وسلم.
وأعطى الشرع ولي السياسية الشرعية الحق في قتال من امتنع عن
أداء الزكاة لأن ذلك يؤثر على التنمية الاقتصادية في البلاد، فعن أبو ليمان الحكم بن نافع :
أخبرنا شعيب بن أبي حمزة عن الزهري : حدثنا عبيد الله بن عبد الله عتبة بن مسعود :
أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: لما توفى رسول الله صل عليه وسلم وكان أبوبكر رضي
الله عنه ، وكفر من كفر من العرب ، فقال عمر رضي الله عنه : كيف تقاتل الناس ؟ وقد قال رسول الله
"أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فمن قالها فقد عصم مني ماله
ونفسه إلا بحقه وحسابهُ على الله".
فقال : والله لأقاتلن من فرق بين
الصلاة والزكاة ،فإن الزكاة حق المال ،والله لومنعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى
رسول الله صل الله عليه وسلم لقاتلهم على منعها. قال عمر رضي الله عنه: فوالله
ماهو إلا أن قد شرح الله صدر أبي بكر رضي الله عنه ، فعرفت أنه الحق.
والزكاة أداة
تحفيز على استثمار الأموال حتى تحفز
صاحبها على استثماره لدفع الزكاة وحتى لا يتناقص المال ويقول في ذلك رسولنا الكريم
:" من ولى يتيماً له مال فليتجر له ولا يتركه حتى تأكله الصدقة" ([21]).
ب) يستطيع ولي المؤسسة السياسية الشرعية أن يجمع الأموال من الصدقات
المختلفة ، وقال تعالي " خذ من
أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم والله سميع عليم" سورة التوبة، الآية (103).
وقال
تعالي :" ويربي الصدقات والله لايحب كل كفارٍ أثيم ، إن
الذين امنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة واتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا
خوف عليهم ولا هم يحزنون" سورة البقرة، الآيتان (276 ، 277).
وعن عبد الله بن منير" سمع
أبا النضر: حدثنا عن الرحمن ،هو ابن عبد الله بن دينار ،عن أبيه ،عن أبي صالح ،عن
أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من تصدق بعدل تمرةٍ من كسبٍ طيب ، ولايقبل الله إلا الطيب،وإن الله
يتقبلها بيمينه ،ثم يربيها لصاحبه،كما يربي أحدكم فلوه،حتى تكون مثل الجبل"([22]).
وشرع الله عز وجل لولي المؤسسة السياسية الشرعية
إنفاق هذه الأموال
على مصارفها الثمانية التي حددها الله في سورة التوبة ،حيث قال تعالى : "
إنما الصدقات للفقرآء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب
والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم" سورة
التوبة، الآية(60)([23])
. بالإضافة
إلى غيرها مما ينفع
الرعية وهذا سوف يكون له
تأثير كبير جداً في تنمية القطاعات الاقتصادية ، حيث وقوع الأموال في أيدى الناس سوف يزيد من الأستهلاك ومن ثم توجه المنتجين والمستثمرين نحو
الإنتاج الصناعي والموارد البشرية الأخرى كعنصر الأرض لأستخراج المواد الأولية وإستغلالها وتوظيف المال فيها
مما ينفع ذلك الرعية وكذلك عنصر العمالة من
حيث تحسين ومضاعفة طاقاتهم وقدراتهم الإنتاجية،وهذا يساهم في توفير السيولة
النقدية على الارتفاع ومضاعفة التداول النقدي مما يزيد ذلك في الإنفاق على أصحابها
المستحقين لها وفي مصارفها ويزيد من القوة الشرائية ،وهذا يحفز أيضاً المنتجين
والمستثمرين على توظيف أموالهم في القطاعات الإنتاجية كالصناعة ومن ثم
القطاعات المغذية لها والمرتبطة بها،وهذا
يقلل من الاعتماد على الدول الأخرى في سد جاجيات السكان ،ومن ثم لاتجد الأمم
الأخرى ذات الصناعات والتجارات سبيلاً إلى التدخل في شئون البلاد.
ج) جمع الأموال من الإنفاق وهو أوسع نطاقاً من الزكاة
التي لاتقع إلا على نسبة محدودة من مال مالكه،أما الإنفاق فيمتد إلى كل عطاء يخرج
من ذمة المالك في سبيل الخير العام.
قال تعالى:"...واتى المال على حبه ذوى القربى
واليتامى والمسكين وابن السبيل والسآئلين وفي الرقاب وأقام الصلاة واتى الزكاة
والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين
صدقوا وأولئك هم المتقون" سورة البقرة،الآية(177).
وقوله عز وجل:" الذين امنوا وهاجروا وجاهدوا في
سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجةً عند الله وأولئك هم الفائزون"
سورة التوبة،الآية(20).
سأل مجاهد عن
أبي ذر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الإيمان فتلى عليه" ليس البر أن
تولوا وجوهكم....." إلى أخر الآية، ثم سأله أيضاً فتلاها عليه ثم سأله
فقال:" إذا عملت حسنة أحبها قلبك وإذا عملت سيئة أبغضها قلبك" ، والحديث
الشريف القائل:إن في المال حقاً سوى الزكاة"([24]).
د) تحصيل الضريبة
،حيث تستطيع المؤسسة السياسية الشرعية أن تفرض الضرائب في الحدود التي يراها حاكم
البلاد في الحدود المعقولة التي لاتضر
بالرعية ولا تثقل كاهلم ، روي عن زياد بن حدير قال" استعملني عمر بن الخطاب
على العشر فأمرني أن آخذ من تجار أهل الحرب العشر ومن تجار أهل الذمة نصف العشر
ومن تجار المسلمين ربع العشر. هذا يبين أن المشرع الإسلامي لم يتقصر على فرض
الضرائب المباشرة بل فرض أيضاً الضرائب غير المباشرة على البضائع التي تدخل البلاد
الإسلامية وتخرج منها.
وروي في الحديث الشريف" إن الله فرض على
أغنياء المسلمين في أموالهم بالقدر الذي يسع فقراءهم ومن يجهد الفقراء إذا جاعوا
وعروا إلا بما يشبع أغنياؤهم- ألا وإن الله يحسابهم حساباً شديداً ويعذبهم عذاباً
أليماً".
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه :" لو
استقبلت من أمري ما استدبرت لأخذت فضول أموال الأغنياء فقسمتها على فقراء
المهاجرين".
وكتب
أبوموسى الأشعري لعمر رضي الله عنه " يخبره بأن تجاراً من المسلمين أتوا إلى أرض
الحرب فأخذوا منهم العشر، فكتب إليه عمر:" خذ أنت منهم كما يأخذون من تجار
المسلمين وخذ من أهل الذمة نصف العشر ومن المسلمين كل أربعين درهم درهما،أي ربع
العشر ، وهذا مبدأ من المبادئ التي تسود الضرائب الجمركية في العصر الحديث ،حيث
تبرم بين الدول اتفاقيات تجارية خاصة بذلك ،وهو مبدأ المعاملة بالمثل.
وتخفيض
عمر بن الخطاب للضريبة الجمركية إلى (5%) بالنسبة لتجار دار الحرب الذين كانوا
يمونون المدينة بالمواد الغذائية وهي بمثابة أداة لتشجيع استيراد المواد الضرورية
،وهذه السياسة هي أحدث ما يتبع في عصر العولمة للتشجيع على تنشيط حركة التجارة
بالدولة.
وأيد الأمام الغزالى فرض الضرائب،بقوله إن حق المال ليس مقصوراً على الزكاة
أو الصدقة أو الكفارات ،وإنما حق المال يمتد إلى حد صلاح الناس وصلاح المجتمع. ([25])
هـ) الرسوم : هي الأموال التي يستطيع المشرع أن يحصل
عليها نظير خدمات تقدمها المؤسسات الحكومية لمواطنيها ، كتصديق الأوراق الرسمية ،
واستخراج الرخص بجميع أنواعها . على أن لا يكون هناك مغالاة شديدة في قدرها لاترهق
المواطن مادياً ، ولا يجعله يتذمر منها .
4) وجوب تنظيم ميزانية الدولة من قبل المؤسسة السياسية
الشرعية بقيادة حاكم البلاد وفق خطة محددة ، وجباية مواردها ومن ثم تنظيم مصارفها
الشرعية المبينة في الكتاب والسنة وكتب الفقه الإسلامي. فهي وكيلة الأمة ومؤتمنة
ومسؤولة عن تأمين حاجاتها المالية ومصالحها والإنفاق عليها من موارد الدولة
بالمقدار الذي يقوم بمصالح الرعية من غير إسراف ولاتقتير وتخصيصها في مصالحهم
وتنمية اقتصاد البلاد دون تخصيصها لفئة معينة من الرعية ، ولا لقطاع اقتصادي معين
على حساب القطاعات الاقتصادية الأخرى ، مع الأخذ بعين الاعتبار الأهم فالأقل أهمية
.حيث أهتم الفكر الإسلامي بالتنظيم المالي
قولاً وعملاً بدأ منذ عهد الرسول صلى الله عليه.
والقرآن الكريم أول من نادي بالاعتدال في
الإنفاق على الإنتاج عن طريق التقنين وعدم التبذير والإسراف في استخدام الموارد
الطبيعية والبشرية والأموال ، وحسن الاستخدام وعدم الإمساك عن رعيته حتى لاتتركز
الأموال في يد فئة دون أخرى فهذا يؤثر بالطبع في اقتصاد البلاد،لأن ما أعطى الله
من خيرات هي ملك الرعية وليس مقتصرة على أحداً.
قال
تعالى:" وات ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيراً إن
المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفوراً" ، ولما أمر بالإنفاق
نهى عن الأسراف فيه والحد من الاستهلاك بل يكون وسطاً،وقال منفراً عن التبذير والأسراف
،وقال ابن مسعود التبذير الإنفاق في غير حق وكذا قال ابن عباس وقال مجاهد لو أنفق
إنسان ماله كله في الحق لم يكن مبذراً ولو أنفق مداً في غير حقكان مبذراً،وقال
قتادة التبذير النفقة في معصية الله تعالى وفي غير الحق والفساد.
وقال الله
سبحانه وتعالى في ذلك من الاعتدال في الأنفاق :" لاتجعل يدك مغلولة إلى
عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً" وهذا عين الاعتدال
والاقتصاد في العيش والانفاق.
وقوله تعالى :"
والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما" سورة
الفرقان،الآية(67)،أي ليسوا بمبذرين في إنفاقهم فينفقون فوق الحاجة ولابخلاء على
أهليهم فيقصرون في حقهم فلايكفونهم بل عدلاً خياراً وخير الأمور أوسطها.
وقول المولى
عز وجل:" فأما من أعطى واتقى ، وصدق بالحسنى فسينسره لليسرى، وأما من بخل
واستغنى ، وكذب بالحسنى فسينسره للعسرى" سورة الليل، الآيات من(5-10).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم" ما من يوم يصبح
العباد فيه إلا وملكان ينزلان من السماء يقول أحدهما اللهم أعط منفقاً خلفاً
،ويقول الآخر اللهم أعط ممسكاً تلفاً "(رواه مسلم عن قتيبة ).
وعن عبد الله
بن مسعود قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم" ما عال من اقتصد"،وعن
حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" ما أحسن القصد في الغنى وما
أحسن القصد في الفقر وما أحسن القصد في العبادة" وقال الحسن البصري ليس في
النفقة في سبيل الله سرف ،وقال إياس بن معاوية : ما جاوزت به أمر الله تعالي فهو
سرف([26]).
وأمر
الله سبحانه وتعالى أن تنفق الأموال في الخير لا في التهلكة وبمحبة : "
وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيدكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين"
سورة البقرة، الآية(195).
وقول الله عز
وجل:" ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً، إنما نطعمكم لوجه
الله لا نريد منكم جزآء ولا شكوراً" سورة الإنسان،الآيتان(8،9).
وقوله تعالى :" لن تنالوا البر حتى
تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شيءٍ فإن الله به عليم" سورة آل
عمران،الآية(92).
وفي
الصحيح" أفضل الصدقة أن تصدق وأنت صحيح شحيح تأمل الغنى وتخشى الفقر"،
أي في محبتك للمال وحرصك عليه وحاجتك إليه "([27]).
وضرب القرآن الكريم لنا مثلاً لولي الأمر بني
الله سليمان عليه السلام الذي كان مباشر الأمور بنفسه ويكتشف أي خلل يحصل ولوكان
غياب طير من جنده من خلال النظام المحكم الذي يحكم دولته كما يصور لنا القرأن حزم
رئيس الدولة وعدله عندما تهدده بالعذاب الشديد إلا أن يأتيه بحجة وسلطان بين ،قال
تعالى:" وتفقد الطير فقال مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين ، لأعذبنه
عذاباً شديداً أو لأ اذبحنه أو ليأتيني بسلطانٍ مبين" سورة النمل،
الآيتان(21،20).([28])
4) يستطيع الحاكم أن يحدد البطانة الصالحة له لكي تعينه
على حكمه وعلى كيفية استغلال موارد الدولة الطبيعية والبشرية و تنمية القطاعات
الاقتصادية للدولة ، ويجعلونها نعمة وخير على كل أفراد الشعب. لقوله تعالي:" الأخلاء
يومئذ بعضهم لبعضٍ عدو إلا المتقين " سورة الزخرف الآية(67).
وقوله:" ولقد
اتينا موسى الكتاب وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا" سورة الفرقان الآية(35).
وقال تعالى :" واجعل لي وزيراً من أهلي ،هارن
أخي اشدد به أزري ، وأشركه في أمري كي نسبحك
كثيراً، ونذكرك كثيراً إنك كنت بنا بصيراً، قال قد أوتيت سؤلك ياموسى، ولقد مننا
عليك مرةً أخرى" سورة طه ،الآيات من(29-37) ([29]).
وقال تعالي :" والمؤمنون والمؤمنات
بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة
ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم" سور التوبة
،الآية (71) أي يتناصرون ويتعاضدون،ويطيعون الله ويحسنون إلى خلقه.
وكما ورد في صحيح
البخاري " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً " وشبك بين أصابعه ،وفي
الصحيح أيضاً " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى
من عضواً تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر"([30]).
وعن أبي سفيان
وأبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" ما بعث الله من نبي ،ولا استخلف
من خليفة إلا كانت له بطانتان بطانةٌ تأمره بالمعروف وتحضه عليه ،وبطانة تأمره
بالشر وتحضه عليه ،والمعصوم من عصم الله " (رواه البخاري).
وعن عائشة
رضي الله عنها قالت: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام " إذا أراد الله
بالأمير خيراً ، جعل له وزير صدقٍ إن نسي ذكره ،وإن ذكر أعانه ، وإذا أراد به غير
ذلك جعل له وزير سوء ، إن نسي لم يذكره ، وإن ذكر لم يعنه" رواه أبوداود
بإسنادٍ جيد على شرط مسلم.
وأن يكون من يعينهم الوالي لحكومته أقوياء ذو
علم ودين وتقوى حتى يستطيعوا أن يقوموا بما يلزم الرعية ،حيث قال تعالي في ذلك : "
وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكاً قالوا أنى يكون له الملك علينا
ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في
العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسعٌ عليمٌ" سورة البقرة
الآية(247).
وقال تعالي :" ....إن خير من استأجرت القوي
الأمين" سورة القصص ،الآية (26).
وقال تعالى: "ياأيها الذين امنوا لا تتخذوا
بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما
تخفى صدورهم أكبر قد بينا لكم الأيات إن كنتم تعقلون" سورة آل عمران،
الآية(118)،أي من غير أهل الأديان.([31])
ولا يجوز للوالي أن يولي الضعفاء منهم ، فعن أبي ذر قال : قال رسول
الله علية الصلاة والسلام : " يا أبا ذر إني أراك ضعيفاً، وإني أحب لك ما أحب
لنفسي ، ولا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم"(رواه مسلم).
وعنه قال: قلت يارسول الله الا تستعملني ؟
فضرب بيده على منكبي ثم قال:" يا أبا ذر إنك ضعيف ،وإنها أمانة ، وإنها يوم
القيامة خزي وندامةٌ ، إلا من أخذها بحقها ، وأدى الذي عليه فيها"(رواه
مسلم)([32]).
كما يحق للوالي أن لا يعين من سأل الولاية أو
حرص عليها ، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : " دخلت على النبي صل
الله عليه وسلم أنا ورجلان من بني عمي ،فقال أحدهما: يارسول الله أقرنا على بعض ما
ولاك الله ، وقال الآخر مثل ذلك ، فقال: إنا والله لانولى هذا العمل أحداً سأله ،
أو أحداً حرص عليه"( متفق عليه).
وواجب
الإسلام أن يوضع الرجل المناسب في المكان المناسب ،وذلك بنص تشريعي ،لقوله سبحانه
وتعالي:" الذين إن منكاهم في الأرض أقاموا الصلاة واتوا الزكاة وأمروا
بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور" سورة الحج ، الآية(41). كما
لا يولى الإمام الظالم لأنه لا ينال الرضا من الله ويجب أن ينحى عن تولى أمور
المسلمين لقول المولى عز وجل:" وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلماتٍ فأتمهن قال
إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين" سور
البقرة ، الآية(124).
إذن لابد أن يوسد الأمر إلى أهله وإلا كانت
البطانة نقمة وغضباً على اقتصاد الدولة وعلى شعبها لذلك لابد أن يوسد الأمر إلى
أهله ، فعن أبي هريرة قال : بينما النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدث القوم :
جاء أعرابي فقال : متى الساعة؟ فمضى رسول الله يحدث ،فقال بعض القوم: سمع ما قال
فكره ما قال. وقال بعضهم : بل لم يسمع. حتى إذا قضى حديثه قال :"اين - أرهُ –
السائل عن الساعة ؟ . قال: ها أنا يارسول الله . قال : " فإذا ضُيعت الأمانة
فانتظر الساعة" . فقال: كيف إضاعتها؟ قال:" إذا وسد الأمرُ إلى غير أهله
فانتظر الساعةُ".([33])
، فكان النبي صل الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون يحرصون أشد الحرص في اختيار
الولاة والعمال على أن تتوفر فيهم مواصفات معينة وصفات محددة أولها الزهد في
الإمارة فقد كان سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام لا يولي الإمارة لمن يطلبها.
وكان
للفاروق عمر نظرة فاحصة لمن يختارهم
لولاية أمور المسلمين وكان يشترط أن يكونوا على درجة عظيمة من الزهد والورع وإنكار
الذات ،وإن يكون واسع الصدر لأية نصيحة تسدى إليه من المسلمين ، حيث كان يطلب منهم
توجيه النقد إليه حين يكون هناك ضرورة لذلك فكان يقول:" لمن استنكر على مسلم
وجه النقد إليه: دعه ، لا خير فيكم إذا لم تقولوها ولا خير فينا إذا لم
نسمعها"([34]).
لأن اختيار البطانة الفاسدة تؤدي إلى إنهيار الدولة من جميع جوانبها سواء كان
النظام السياسي أوالاقتصادي أو الاجتماعي ،فمن أسباب انهيار الدولة العباسية
اختيارهم لوزراء من العنصر الأخر لزيادة
نفوذهم ومخالفتهم في الأخلاق والعادات والذين تمردوا عليهم فيما بعد ،وضعف العنصر
العربي([35])
.
5) يحق لوالي
السياسة الشرعية أن يجتهد إذا لم يجد في المسألة نص قرأني أو حديث شريف،من
أجل مصلحة رعيته، ومايرى فيه صلاح وفلاح ومنفعة من شأنه أن ينمي اقتصاد الدولة
وسيادة الرخاء على رعيته ،قال تعالي :" وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث
إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين، ففهمناهما سليمان وكلاً اتينا حكماً
وعلماً ...." الأنبياء الآية(78)([36]).
وقال الحسن بن أبي الحسن لولا هذه الآية لرأيت
أن الحكام قد هلكوا، ولكن الله حمد هذا الصواب وأثنى على هذا باجتهاده. وأخبرنا
الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الدراوردي، عن يزيد بن الهاد، عن محمد بن
إبراهيم،عن بشر بن سعيد ، عن أبي قيسٍ مولى عمرو بن العاص، عن عمرو بن العاص أنه
سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله
أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر"([37]).
وحين
أرسل معاذاً إلى اليمن للقضاء ، سأله : بم تقضي؟ قال بكتاب الله، قال فإن لم تجد ؟
قال: بسنة رسوله... قال : فإن لم تجد ؟ قال اجتهد رأي ، ولا الو " أي لا
أقصر. فسُر رسول الله صل الله عليه وسلم وقال: الحمد لله الذي وفق رسول الله لما
يرضى الله " ( متفق عليه).
وقد ذكر ابن قيم الجوزية هذا الحديث وهذه
الواقعة ووثق روايتها ، والاحتجاج بها، وهناك وقائع كثيرة غير هذه تبين إجتهاد
الصحابة والولاة حين يكونون بعيدين عن الرسول لاستخراج الاحكام،ويعرف ذلك منهم حين
يرجعون ، فيسر بذلك ويقرهم عليه وبذلك استطاعوا أن يواجهوا الحياة ومتطلبات الدولة
التي ولوا عليها.([38])
فعندما تولى عمر بن الخطاب إمامة المسلمين
استكمل التنظيم السياسي والإداري باستخدامه القواعد العامة للشريعة الإسلامية بالإضافة
إلى اجتهاداته الجزئية ،وطرأ تطوير على أجهزة الحكم في عهدة الذي يعد نقلة مهمة في
إطار بناء الدولة بما يتجاوز مفهوم الكثير من العرب ،وأزال الفوارق بين الناس
وأنشئ نظاماً قضائياً خاصاً ينفصل عن السلطة الحاكمة لمحاسبة ولاته ومعاقبتهم إذا
ما أخطأوا في حق الرعية.([39])
وكتب أثناء
توليه الخلافة إلى القاضي شريح أحد كبار القضاة في ذلك الوقت قائلاً:" أحكم
بكتاب الله فإن لم يكن فبسنةِ رسول الله صل الله عليه وسلم وإن لم يكن فبأحكام
الصالحين. قال رسول الله صل الله عليه وسلم :" أصحابي كالنجوم ، بأيهم
اقتديتم اهتديتم".([40])
كما أجرى علي
بن أبي طالب تغيرات إدارية واقتصادية لحل مشكلات سابقة من أجل النهوض بالدولة
وإصلاحها، وطور عبد الملك بن مروان الجهاز الإداري وتنشيطه وبهذا أخذت الدولة
شكلاً لايبعد كثيراً عن أشكال الدول المعاصرة، وكذلك عمر بن عبد العزيز أحدث تغييرات
وإصلاحات اقتصادية.([41])
كل ذلك يظهر مسؤولية المؤسسة السياسية الشرعية
في الاجتهاد لإصلاح الفساد الذي يؤدي بالبلاد إلى التدهور الاقتصادي الذي قد يؤدي
إلى تدهور الدولة وإنحلالها ، والأمثلة كثيرة على ذلك منذ قيام الدولة الإسلامية
،حيث تطورت اقتصادياً منذ عهد الرسول عليه الصلاة والسلام من حالة الفقر وقلة
الموارد إلى النهوض اقتصادياً بالبلاد الذي بلغ أوجه في أيام الدولة العباسية ،
حيث بلغ دخلها المالي في عهد هارون الرشيد(272) مليون وأربعة ملايين ونصف من
الدنانير في السنة ،ويعود ذلك إلى اهتمام المؤسسة السياسية الشرعية بالجوانب
الاقتصادية ،والتي كان ينفق منها على الزراعة والصناعة والتجارة وغيرها وذلك
لتطويرها.([42])
والمتتبع للتاريخ
الإسلامي يجد أن عدم استقرار الحالة الاقتصادية بالدولة الإسلامية كان مرتبطاً
بتذبذب حالة المؤسسة السياسية الشرعية ،فعندما
سئل شيوخ بني أمية ومحصليها عقب زوال الملك عنهم وانتقاله إلى بني العباس:
ما كان زوال ملككم؟ فقالوا: إنا شُغلنا بلذاتنا عن تفقد ما كان تفقده يلزمنا"
فظلمنا رعيتنا ،فيئسوا من إنصافنا، وتنحوا الراحة منا ، وتحويل على أهل خراجنا
فتخلوا عنا ، وخربت ضياعنا ،فخلت بيوت أموالنا ، ووثقنا بوزرائنا، فأثروا مرافقهم
على منافعنا ،وأمضوا أموراً دوننا وأخفوا علمها عنا، وتأخر عطاء جندنا فزالت
طاعتهم منا، واستدعاهم أعادينا فتضافروا معهم على حربنا، وطلبنا أعداءنا فعجزنا
عنهم لقلة أنصارنا، وكان استتار الأخبار عنا أوكد أسباب زوال ملكنا"([43])
وبهذا يحق
للحاكم وبطانته التي اختارها أن يسنوا القوانين التي من شأنها أن تحقق مصالح
الرعية ويوفروا حاجياتهم العارضة ومطالب البلاد من تنمية في قطاعاتها الاقتصادية
والاجتماعية والعمرانية وخلافه.([44])
6) المؤسسة السياسية الشرعية تستطيع أن تحرض الرعية والمستثمرين منهم على
التصنيع بأيدٍ وطنية وذلك لسد الحاجة ودون الاعتماد على صناعات الغير،كما كان يفعل
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعن علي رضي الله عليه وسلم قال: كان بيد رسول
الله قوس عربية،فرأى رجلاً بيده قوسٍ فارسية فقال: ما هذه ؟ ألقها، وعليكم بهذه
وأشباهها ، ورماح القنا، فبهما يزيد الله لكم في الدين ،ويمكن لكم في البلاد. فروح
الحديث الشريف تحض على تصنيع السلاح وغيره بأيدٍ وطنية ،ورفض المستورد منه ،
والمهم تصنيعه في أراضٍ الإسلام وعدم الإعجاب والتعظيم ،والاعتماد على الأجنبي
المستورد.
كما تم تصنيع أول منجنيق في الإسلام أثناء حصار
الطائف ، وعني عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالتصنيع الحربي الذي جهز به جيوش
الفتوحات في بلاد الشام ومصر والعراق ،كما تقدم التصنيع أيام العباسين كالمنجانيق
والسفن والمعادن ،وأزدهرت بهذا التجارة وبلغت أوجها وذلك بتشجيعٍ من الولاة عندما
حفروا الآبار وأقاموا المحطات على طول طرق النقل وأنشأوا المنائر في الثغور حتى
وصلوا إلى سواحل أفريقيا الشرقية والهند وسيلان والملايو والفلبين بما صنعوا.([45])
وذكر عن إخوان الصفا ".... أعلم أن صناعة الآباء والأجداد أنجع في الأولاد من
صناعة الغرباء، وأن كل صناعة تحتاج إلى فكر وتعقل لأن الإنسان يعملها بعقله وتميزه
وروئيته وفكرته التي كلها قوى روحانية عقلية...."([46]).
وحذر رسولنا الكريم من الاقتصار على حرفة
الزراعة أو تجاوز الحد فيها عن المقدار اللازم و لزاماً أن يتوجه نشاط الأفراد
الاقتصادي إلى أنشطة أخرى في مجالات الاقتصاد القومي لذلك نجد هناك إشارات كثيرة
من القرآن الكريم بمزاولة الصناعة على اختلاف أنواعها وبمختلف خاماتها،وأضح أيضاً
أهمية التصنيع في حياة الشعوب فأمر الله سبحانه وتعالي سيدنا نوح أن يصنع السفينة
وأن يعد المواد الخام التي يحتاجها في تصنيعها من الأخشاب التي قام بزراعتها وقطعها ،حيث قال
تعالى :" فأوحينآ إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا ....." سور
المؤمنون ،الآية(27).([47]) ،وقوله
:" وحملناه على ذات ألواحٍ ودسرٍ" سورة القمر،الآية(13) .
ومن الصناعات
القائمة على المعادن أيضاً قول الله تعالى :" قالوا ياذا القرنين إن يأجوج
ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجاً على أن تجعل بيننا وبينهم سداً، قال ما
مكنى فيه ربي خيرٌ فأعينوني بقوةٍ أجعل بينكم وبينهم ردماً اتوني زبر الحديد حتى
إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله ناراً قال اتوني أفرغ عليه
قطراً" سورة الكهف الآيات (94،95،96).
وقوله تعالى:"
لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط
وأنزلنا الحديد فيه بأسٌ شديدٌ ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن
الله قوي عزيز" سورة الحديد،الاية(25)([48]).
وهنا احتاج ذو القرنين إلى قطع الحديد زنة القطعة الواحدة قنطار دمشقي، والنحاس لكي
يبني السد ،وقال ابن عباس ومجاهد وعكرمة والضحاك وقتادة والسدي القطرهوالنحاس لكي
يخلطه مع الحديد لكي يزداد السد قوة ومتانة، وقام ذو القرنين بذلك بكل عفة
وديانة وصلاح وقصد للخير، حيث أعطاه الله الملك والتميكن.([49])
وقوله
تعالى:" لقد اتينا داود منا فضلاً ياجبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد،أن
اعمل سابغاتٍ وقدر في السرد واعملوا صالحاً إني بما تعملون بصير ،ولسليمان الريح
غدوها شهرٌ ورواحها شهرٌ وأسلنا له عين القطر ...." سورة سبأ ،الآيات(10-12).وهذا إرشاد من الله
لنبيه داود عليه السلام في تعليمه صنعة الدروع وقيل مسامير الحلق،والقطر النحاس.([50])
وهناك آيات
لصناعات أخرى لقوله عز وجل:" علمناه صنعة لبوسٍ لكم لتحصنكم من بأسكم..."
سورةالأنبياء،الآية(80).أي صناعة الدروع والسلاح وقمصان حرب من حلقات الحديد ونسيج
لا ينفذ منها الرصاص فتقي من يلبسها من ضربات السلاح ووسائل القتل.
وصناعة
المجوهرات لقوله تعالى:" .. وتستخرجون حليةً تلبسونها...." سورة
فاطر،الآية(12).
ومن الصناعات
التي تقام على الإنتاج الحيواني قول المولى عز وجل:" وإن لكم في الأنعام
لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرثٍ ودمٍ لبناً خالصاً سآئغاً للشاربين ،ومن
ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكراً ورزقاً حسناً إن في ذلك لأيةً لقومٍ
يعقلون" سورة النحل ،الآيتان (66- 67)([51]).
وقوله :" والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون، ولكم فيها جمال حين
تريحون وحين تسرحون" سورة النحل،الآيتان (5،6).
وقوله
تعالي:" والله جعل لكم من بيوتكم سكناً وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتاً
تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثاً ومتاعاً
إلى حين ، والله جعل لكم مما خلق ظلالاً وجعل لكم من الجبال أكناناً وجعل لكم
سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون "
سورة النحل ،الآيتان (80-81) ([52]).
وقوله عز وجل:" يابني ادم قد أنزلنا عليكم
لباساً يوارى سوءاتكم وريشاً ولباس التقوي ذلك خيرٌ ذلك من ايات الله لعلهم يذكرون"
سورة الأعراف، الآية(26).
وفي الصناعات القائمة على الزروع قوله عز وجل:" ومن
ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكراً ورزقاً حسناً إن في ذلك لأية لقوم
يعقلون" سورة النحل،الآية(67).
هذه إشارات
واضحة للإنسان على القيام بالتصنيع لكي يسد حاجياته، وقياساً على ذلك فإن للمؤسسة
السياسية الشرعية تأثير كبير في التنمية الصناعية والتجارية من خلال توجيهاته بالنصح
الدائم للرعية على الاستثمار في الأوجه الشرعية ،وحرصها الدائم على تنمية كافة
القطاعات المرتبطة بالصناعة والتجارة، ويقع على عاتقها أمانة ثقيلة يتحمل الحاكم
بموجبها جسامة المسؤولية في اضطلاعه بالتزاماته الشرعية التي تحملها بموجب عقد
البيعة لتحقيق المصلحة العامة والسير بها نحو بر الآمان،إذ قال تعالى :"
ياأيها الذين امنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون"
سورة الأنفال، الآية(27).
وقال رسول
الله عليه الصلاة والسلام :" الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة.
قالوا: لمن يارسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين
وعامتهم".(رواه مسلم والنسائي والترمذي).
ويقول عليه الصلاة والسلام :" سيليكم بعدي
ولاة ، فيليكم البر ببره، ويليكم الفاجر بفجوره،فاسمعوا لهم وأطيعوا في كل ما وافق
الحق،فإن أحسنوا فلكم ولهم، وإن أساءوا فلكم وعليهم".([53])
6) المؤسسة السياسية الشرعية هي التي تستطيع أن تنشئ
العلاقات الخارجية كالتحالفات والدخول في تكتلات اقتصادية إقليمية أو دولية من أجل تنمية قطاعاتها الاقتصادية والاجتماعية
،وأعطاها الله سبحانه وتعالى حرية التعاقد لتحقيق المصالح الاقتصادية للدولة
والناس،قال تعالى:" ياأيها الذين امنوا أوفوا بالعقود..." سورةالمائدة
،الآية(1).
وقوله :"
... وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا" سورة الإسراء، الآية(34). ولاحرج
في ذلك كون الناس من نفسٍ واحدة ،إستناداً إلى قول المولى عز وجل: " ياأيها
الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً
كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تسآءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا"
سورة النساء الآية(1).
وقوله تعالي:" ياأيها الناس إنا خلقناكم
من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوآ إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله
عليم خبير" سورة الحجرات الآية(13).
وإن الشريعة الإسلامية لاتقر بالإنعزالية
الاقتصادية ،حيث ترى وجوب الاستفادة مما خلق الله للبشر تكريماً له لقوله
تعالى:" ولقد كرمنا بني أدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات
وفضلناهم على كثيرٍ ممن خلقنا تفضيلا" سورة الإسراء
،الآية(70).
لهذا
كانت ومازالت الشريعة الإسلامية عالمية لا إنعزالية ولا عنصرية ولا طبقية لأن
الإسلام رسالة عالمية ،قال تعالى :"
ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم" سورة
البقرة ، الآية(115)،وقال تعالى:" رب المشرقين
ورب المغربين" ، يصلي له
المرء حيث شاء .
وقال تعالى:" ومآ أرسلناك
إلا كافةً للناس بشيراً ونذيراً ولكن أكثر الناس لا يعلمون" سورة
سبأ،الآية(28).
هذا الإعلان يمكن المؤسسة السياسية الشرعية من
أن تنشئ العلاقات الخارجية مع دول العالم الأخرى التي لايمكن الاستغناء عنها أو
تعيش بمعزلٍ عنها كون أن الله سبحانه وتعالي حبا كل دولة بموارد خاصة جعلها تتمتع
بميزة نسبية تختلف عن بقية الدولة الأخرى ،حيث الاختلافات المتباينة بينهم في
المناخ والتربة والماء،قال تعالي :" وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي
وأنهاراً ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشى اليل النهار إن في ذلك لأياتٍ
لقومٍ يتفكرون، وفي الأرض قطعٌ متجاورات وجناتٌ من أعنابٍ وزرعٌ ونخيلٌ صنوانٌ
وغير صنوانٍ يسقى بمآءٍ واحدٍ ونفضل بعضها على بعضٍ في الأكل إن في ذلك لأياتٍ
لقومٍ يعقلون" سورة الرعد الآيتان
(3،4).([54])
ولهذا
التباين في الموارد الطبيعية والبشرية فإن الدولة الواحدة لاتستطيع أن تبني
اقتصاداً قوياً يجعلها في غنى عن الدول الأخرى مهما كانت هذه الدولة قوة إذا ما
اعتمدت على مواردها المحدودة فقط ،وهذه العلاقات من شأنها أن تحقق مصلحة للدولة
وشعبها من أجل الاستفادة من الخبرات التكنولوجية من تلك الدولة في أطار اتفاقيات
ثنائية أو إقليمية أو دولية والتي تمكن الدولة من تطوير صناعاتها وتجارتها
والقطاعات الأخرى المرتبطة بهما.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر
الأنبياء صلوات الله عليهم وكذلك الخلفاء
الراشدون ومن بعدهم من الصحابة والتابعين
ومن بعدهم من علماء المسلمين وأخيارهم يستعينون ويتعاونون مع الآخرين من الأجانب
وغيرهم من أجل الاستفادة من خبراتهم سواء في التعليم أو الترجمة.
فكان للمأمون
علاقاتٍ مع ملك الروم يسأله في انفاذ ماعنده من مختارات العلوم القديمة وأجابه
بذلك ،وفي عهد خالد بن يزيد بن معاوية (حكيم آل مروان ) ،حيث أحضر فلاسفة
اليونانية وترجم ما كتب في الصناعات ، وكذلك أبو جعفر المنصور الذي اهتم بترجمة
كتب الصناعات عند الفرس واليونان والهندسة .([55])
، وغير ذلك مما ينفع الدولة اقتصادياً واجتماعياً لتكون في مصاف الدول الأخرى لا
أقل منها.إستناداً إلى قول المولى عز وجل:"... وتعانوا على البر والتقوى
ولا تعانوا على الإثم والعدوان ...." سورة المائدة ،الآية(2).
7) حق المؤسسة السياسية الشرعية التدخل في اقتصاد الدولة
وحمايته من الإنهيار ولتصحيح الخلل فيه من أجل النهوض به وتنميته لمصلحة الرعية
قبل أن يكون في مصلحة الفرد ،لأن الهدف الأساسي للحكومة في الإسلام هو المصلحة
العامة للرعية ويكون ذلك وفقاً للضوابط الشرعية التي أقرها الله ورسوله صلى الله عليه
وسلم ولمنع مفسدة تضر باقتصاد الرعية
والدولة،وذلك عن طريق مراقبة تصرفات الناس
الضارة التي تمس اقتصاد الدولة ومصالح الرعية ،وحماية الدولة من الإفلاس عن طريق
إنشاء المشروعات الإنتاجية،وأن التدخل بالحكم بالعدل بين الناس.وأن تقوم
بالإجراءات الاحترازية" سد الذرائع".
ولقد أكد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ذلك
الحق الاقتصادي للحكومة من خلال تعيينه
" للمحتسب" في صدر الإسلام ،إذ قال تعالى:" ولتكن منكم أمة
يدعون إلى الخير ،ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون "
سورة آل عمران ،الآية(104).
فكانت مهمة
المحتسب هي مراقبة التجارة والاقتصاد ،وتسوية العقبات التي قد تعترض سبيل الرعية
،إضافة إلى وتقديم الحلول المناسبة لما يختلفون عليه،وتقويم ما يصدر منهم من
انحراف عن طريق الشرعية والعدالة الإسلامية وفقاً لمبادئها . ويراعي حال الصاغة
والحاكة والقصابين والصباغين في الأمانة والخيانة ويراعي في العمل ورداءته.([56])
ومشروعية هذا التدخل طبقاً لتعاليم الشريعة
الإسلامية ،كون الإمام مسؤول عن رعيته" وبالنصوص القرآنية الكثيرة في هذا
المجال ومنها ، قال تعالى :" إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتآئ ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي
يعظكم لعلكم تذكرون" سورة النحل ،الآية(90).
وقوله :"
...وتعاونوا على البر والتقوى ولاتعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن
الله شديد العقاب" سورة المائدة،الآية(2).
وقوله
تعالى:" .... ومن لم يحكم بمآ أنزل الله فأولئك هم الفاسقون"
سورة المائدة ،الآية(47).أي الخارجون عن طاعة ربهم الماثلون إلى الباطل التاركون
للحق.([57])
وقول الله
تعالى:" ياداود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع
الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم
الحساب " سورة ص، الآية(26).
وعن عائشة رضي
الله عنها قالت: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام :" كل عمل ليس عليه أمرنا
فهو رد".
وعن ابن شهاب حدثني أبو سلمة عن أبي هريرة
رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن توفى من المؤمنين فترك ديناً فعلي قضاؤه ومن ترك مالاً فهو لورثته " ولذلك يجب التدخل لحماية الجماعة من الإنحراف عن تعاليم الإسلام في المعاملات وحماية الاقتصاد بالدولة([58]).
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن توفى من المؤمنين فترك ديناً فعلي قضاؤه ومن ترك مالاً فهو لورثته " ولذلك يجب التدخل لحماية الجماعة من الإنحراف عن تعاليم الإسلام في المعاملات وحماية الاقتصاد بالدولة([58]).
وحق المؤسسة
السياسية الشرعية بقيادة الحاكم مراقبة الناس عن طريق التدخل في المصالح
الاقتصادية إذا ما انحرف الناس عن تطبيق الشريعة الإسلامية في العقود الاقتصادية
المحرمة التي تضر باقتصاد الدولة.([59])
لقول المولى عز وجل:" ياأيها الذين آمنوا أوفوا بالقعود"سورة
المائدة،الآية(1)، قال علي بن أبي طلحه عن ابن عباس في قوله يعني العهود ما أحل الله وحرم وما فرض وما حد في القرآن كله
ولا تغدروا ولا تنكثوا ثم شدد في ذلك فقال تعالى:" والذين ينقضون عهد الله
من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل"([60])
.
وكذلك التدخل في النظام الإداري إذا ما كان فاسداً ، ومن ثم إصلاح القطاعات
الأخرى لأن ذلك سوف يمنع الكثير من الأخطار التي تضر بمشروعات التنمية الاقتصادية
،وكذلك الاهتمام بالقطاعات الإنتاجية التي توفر مواد الخام الأولية اللازمة للقطاع
الصناعي والتجاري وذلك بالدعم المالي لتلك المشروعات.
ويرى معظم فقهاء المسلمين أن مهام الحكومة تمتد
لتشمل الكثير من المجالات الاقتصادية بغية تحقيق حياة أفضل للناس ،وبالتالي يكون
من واجبها إرساء الأنظمة والقوانين الكفيلة بتنظيم وحماية المعاملات الاقتصادية
وذلك لحفظ الحقوق والمصالح العامة. وأكد ذلك المبدأ ما تم في مؤتمر عقده فقهاء
المسلمين في القاهرة في الفترة الممتدة من 26/5 إلى 16/6/1965م،حيث أقر المجتمعون على
أن التدخل الحكومي في توجيه الاقتصاد أمر ضروري جداً لمنع استغلال الملاك لحقوقهم
بطريقة من شأنها إلحاق الضرر بالمصلحة العامة للمجتمع ،وفي المقابل اشترطوا على
الحكومة أن تمارس تلك الصلاحيات بمنتهى الحيطة والحذر ،خشية وقوع الظلم على أولئك
الملاك ،وذلك لمراعاة قدسية حرية الممتلكات الخاصة كونها حق مكتسب شرعاً([61]).
8) المؤسسة السياسية الشرعية هي التي تحدد السياسة
الاقتصادية للبلاد التي يكون لها آثار بعيدة المدى على التقدم والإزدهار الاقتصادي
ومن ثم على إنتاجها وذلك عن طريق مايلي:
أ) سن القوانين التي تفرض الرسوم الجمركية العالية التي
تعرقل عملية الاستيراد لمواد الخام للازمة للصناعة ومن ثم يؤثر ذلك في حركة
التجارة خاصة في الصناعات التصديرية ،إذا كانت هذه المواد غير منتجة محلياً
بالدولة.
ب) قد تلجأ الحكومة إلى اتباع سياسة المعاملة بالمثل
وحرية التجارة والتي تتبعها الدول الصناعية لضمان حصولها على المواد بأسعار رخيصة
تمكنها من تكلفة إنتاجية منخفضة بالأضافة إلى ضمان تصريف منتجاتها إلى الأسواق
الخارجية.
ت) قد تفرض الحكومة إجراءات قانونية معقدة ومطولة في
عملية تخليص البضائع في موانئ الدولة مما يحمل المنتج تكاليف باهضة الثمن وهذا
يقلل من ربحيته ،وهذا يحدد استمراريته في الإنتاج.
ج) اتباعها سياسة التخصص في إنتاجها إذا ما توفرت لديها
ميزة نسبية لبعض الموارد الطبيعية والبشرية ،وهذا يؤدي بالدولة إلى تفوق في
إنتاجها وفي جودة وقلة تكاليف منخفضة نسبياً للسلع خاصة التصديرية.
د) قد يتبع النظام السياسي بالدولة سياسة الاقتصاد
المخطط الموجه ،حيث تعتمد إلى وضع خطط تنمية متكاملة في كافة الميدان الاقتصادية
ذات العلاقة والتي يوجد بينها ترابط وتشابك نظام الحلقات المترابطة.
هـ) وضع القوانين التي تؤدي إلى سيادة القانون
والاستقرار الداخلي والأطمئنان حتى تضمن توفير بيئة محلية مواتية وجاذبة للاستثمار
في المشروعات الإنتاجية ،حيث غالباً ما تهاجر وتنجذب الأموال نحو مناطق الاستقرار.
الفرضية الثانية: يمكن للدولة الفقيرة في الكثير من مقومات التنمية
الاقتصادية أن تصبح دولة متقدمة ومتطورة في جميع مجالاتها الاقتصادية إذا ما توفرت
رؤوس الأموال والعوامل الأخرى.
يفترض الباحث هنا أن الدولة الفقيرة في بعض
مواردها الطبيعية والبشرية ، تستطيع أن تنمي مواردها الطبيعية والبشرية البسيطة عن طريق التخطيط الاقتصادي السليم لاستغلال
تلك الموارد واستيراد مايلزم للتنمية الاقتصادية بالطريقة الأمثل والحديثة في ظل
الثورة التكنولوجية في العلم والزراعة والصناعة والتغلب على كثير من معوقات الظروف
الطبيعية. وبهذا تستطيع الدولة أن تصبح دولة صناعية وزراعية وخدماتية متقدمة
ومتطورة ، وهناك نموذجاً هاماً لذلك متمثلاً في اليابان ، ودولة الإمارات العربية
التي بدأت تحذو حذوها في تنمية مختلف مجالاتها الاقتصادية ، في حين أن هناك الكثير
من دول العالم تمتلك الكثير من الثروات
الطبيعية والبشرية التي تؤدي إلى تنمية قطاعاتها الاقتصادية ، ولكن إذا لم تستغل
بالطرق الصحيحة ستكون دون فائدة أو منفعة، وبالتالي تبقى تلك الدول تراوح في
مكانها.
وهذا الإفتراض بني على أساس الشريعة الإسلامية ،حيث
أعطانا المولي عز وجل كل ما يسعدنا ويجعلنا معمرين للأرض لا مدمرين ، وهناك أدلة
قرآنية كثيرة على توفر الموارد الطبيعية والأرزاق التي أوجدها الله سبحانه وتعالى سواء
كانت في الأرض أو السماء أو الماء ، ولكن على الإنسان أن يعمل ويجتهد ويسعى إليها ،
لقوله تعالى :" قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له
أنداداً ذلك رب العالمين، وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها
في أربعة أيامٍ سوآء للسائلين" سورة فصلت،الآية(9،10).
وقوله تعالي :"الله الذي خلق السموات
والأرض وأنزل من السماء ماءً فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم وسخر لكم الفلك لتجري
في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار، وسخر لكم الشمس والقمر دأئبين وسخر لكم الليل
والنهار وأتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم
كفار " سورة إبراهيم ،الآيات(32-34).
وقال
تعالى :" وهو الذي أنشأ جناتٍ
معروشاتٍ وغير معروشاتٍ والنخل والزرع مختلفاً أكله والزيتون والرمان متشابهاً
وغير متشابهٍ كلوا من ثمره إذا أثمر واتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوآ إنه لا يحب
المسرفين، ومن الأنعام حمولةً وفرشاً كلوا مما رزقكم الله ولاتتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدوٌ
مبينٌ" سورة الأنعام ،الآيتان(141،142). ([62])
.
قال تعالى:" وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من
السمآء مآء فأسقيناكموه ومآ أنتم له بخازنين" سورة الحجر، الآية(22).
وقوله
تعالى:" وأنزلنا من السمآء مآء بقدرٍ فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به
لقادرون ،فأنشأنا لكم به جناتٍ من نخيل وأعنابٍ لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون،
وشجرة تخرج من طور سينآء تنبت بالدهن وصبغٍ للأكلين، وإن لكم في الأنعام لعبرة
نسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرةٌ ومنها تأكلون، وعليها وعلى الفلك
تحملون" سورة المؤمنون ،الآيات(18-22).
وقوله تعالى :" والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون ولكم فيها جمال حين
تريحون وحين تسرحون" سورة النحل،الآية(5).
وقول المولى عز وجل :" هو الذي أنزل
من السمآء مآءً لكم منه شرابٌ ومنه شجرٌ فيه تسيمون ،ينبت لكم به الزرع والزيتون
والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لأية لقومٍ يتفكرون ،وسخر لكم اليل
والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لأياتٍ لقومٍ يعقلون ،وما
ذرأ لكم في الأرض مختلفاً ألوانه إن في ذلك لأيةً لقومٍ يذكرون، وهو الذي سخر
البحر لتأكلوا منه لحماً طرياً وتستخرجوا منه حليةً تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه
ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون، وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهاراً
وسبلاً لعلكم تهتدون" سورة النحل ، الآيات(10-15).
وقال تعالي:" والله جعل لكم من بيوتكم
سكناً وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتاً تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها
وأوبارها وأشعارها أثاثاً ومتاعاً إلى حين، والله جعل لكم مما خلق ظلالاً وجعل لكم
من الجبال أكناناً وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته
عليكم لعلكم تسلمون " سورة النحل ،الآيتان (80-81) ([63]).
وقوله عز
وجل:" وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه إن في ذلك لأياتٍ
لقومٍ يتفكرون" سورة الجاثية،الآية(13)،أي الكواكب والجبال والبحار
والأنهار وجميع ما تنتفعون به،أي الجميع من فضله وإحسانه وامتنانه.([64])
هذه الخيرات الكثيرة والمتعددة والمتنوعة التي
يوجد الكثير في خزائن المولى عز وجل ، والتي لا تعد ولا تحصى يمكن للإنسان
الاستفادة منها واستغلالها بما يحقق له الأكتفاء الذاتي بل ويحقق فائضاً كبيراً يمكنه
من خلالها تطوير صناعتة وتجارته وزراعته وكافة قطاعاته ،مما يحقق له الرفاهية
والسعادة ،وذلك إذا ما أستغل الإنسان تلك الموارد استغلالاً سليماً وجيداً كما أمرنا
الله ورسوله الكريم ،وبشروط أوردها الله في كتابه العزيز،لأن الله سبحانه وتعالي
خلق هذه الخيرات من أجل إسعاد بني آدم عليه السلام وجعله وريث في الأرض ومكنه فيها
، وسوف نورد هنا أدلة قرآنية لأثبات فرضيتنا السابقة فيما يلي:
1) توفر الغذاء والموارد والرزق التي تقوم عليه الكثير
من الصناعات و التجارة يستوجب العبادة والشكرلله وحده ، وهو ما توضحه سورة
قريش،إذا قال الله تعالي:" لإيلاف قريشٍ ،إيلافهم رحلة الشتآء والصيف،
فليعبدوا رب هذا البيت، الذي أطعمهم من جوعٍ وأمنهم من خوف" سورة قريش".
فقد امتن الله جل شأنه على قريش ،حيث يسر لهم
الرزق والتجارة ولإيلافهم رحلة الشتاء إلى اليمن ورحلة الصيف إلى بلاد الشام لجلب
الأرزاق والمكاسب وحمايتهم من أذى التعرض لهم ،لأنهم أهل بيت الله وجيرانه وطلب
منهم الإيمان وعبادة الله وحدة ،وبين لهم أنهم إن لم يعبدوه لسائر نعمه ،فليعبدوه
لهذه النعمة الخاصة المذكورة ، وقد تفضل الله عليهم دون سائر الناس، الأمن والرزق
،وقد أفردهم بذلك وكانت الدعوة من الله بأن يفرده بالعبادة وحده لا شريك له ولا
يعبدون من دونه صنماً ولا نداً ولا وثناً، ومن استجاب لهذا الأمر جمع الله له بين
أمن الدنيا وأمن الاخرة ومن عصاه سلبهما منه ([65]).
أما إن جحدت قرية نعمة الله كان جزاؤها أن
يسلبها الله هذا الفضل ، قال تعالى :" وضرب الله مثلاً قرية كانت امنة
مطمنئة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع
والخوف بما كانوا يصنعون" سورة النحل، الآية(112).
وعندما آمن سيدنا إبراهيم وذهب مع زوجته وطفلها
الرضيع إلى وادٍ غير ذي زرع لا ماء ولابشر
ليتركهما هناك ، فسألته زوجته ،أهذا من عندك؟ أم من عند الله ؟ فقال: هو من عند
الله سبحانه وتعالى ، فآمنت بذلك ،حيث كان الإيمان واليقين يتربعا في قلبها، لذلك رزقها
الله من كل الثمرات ، وأصبح المكان يأتيه الناس من كلِ حدب وصوب ، فذاقوا طعم الأمن
وطعم الرغد استجابة من الله لدعوة سيدنا
إبراهيم عليه السلام،إذ قال تعالى :" ربنا إني أسكنت من ذريتي بوادٍ غير
ذي زرعٍ عند بيتك المحرم ربنا لقيموا الصلاة فاجعل أفئدةً من الناس تهوي إليهم
وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون" سورة إبراهيم،الآية(37).
وقوله تعالى :"
وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلداً امناً وارزق أهله من الثمرات من أمن منهم بالله
واليوم الأخر قال ومن كفر فأمتعه قليلاً ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس
المصير"سورة البقرة،الآية(126).
أما وقد كفرت
القرية بأنعم الله ، واستعصوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوا إلا خلافه
فأذاق الله أهلها لباس الجوع ،وذلك جوع خالط أذاه أجسامهم ،فجعل الله ذلك لمخالطته
أجسامهم بمنزلة اللباس لهم، وذلك أنهم سلط عليهم الجوع سنين متوالية بدعاء رسول
الله حتى أكلوا العلهز- بر يعجن بالدم والقراد يأكلونه- والجيف ،وأما الخوف فإن
ذلك كان خوفهم من سرايا رسول الله عليه الصلاة والسلام التي كانت تطيف بهم([66]).
ولكي يستغل
الإنسان الغذاء والموارد التي وهبها الله له لابد من توفر الحرية من خلال الأمن، لأنه
يحث الإنسان على العمل والإنتاج دون خوف ، وكذلك توفر الغذاء يؤدي إلى بيئة مهيئة
للعبادة ،وأن كان البعض لا يفطنون إلى أن سد حاجات الدنيا ما هو إلا جسر يعبر عليه
الإنسان إلى جنة الآخرة ،وأن أي نقص في سد هذه الحاجات الدنيوية يهدم هذا الجسد
فيسقط في جهنم الدنيا وجهنم الأخرة معاً ،ولذلك كان دعاء سيدنا إبراهيم أن يرزق
الله ذريته التي اسكنها بوادٍ غير ذي زرعٍ من الثمرات لعلهم يشكرون ويصلون
ويسبحون.([67])
2) إن الله سبحانه وتعالى يورث الأرض لعباده الصالحون
لكي يعمروها ولكي ينعموا بخيراتها بالطرق التي أحلها دون إسراف أو تبذير أو سفه ، حيث
قال تعالى :" ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي
الصالحون " سورة الأنبياء ،الآية (105) .
وقوله
تعالى:"... إن الأرض لله يورثها من يشآء من عباده والعاقبة للمتقين"
سورة الأعراف،الآية(128).
وقال تعالى:" وعد الله الذين امنوا منكم
وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما
استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم
أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون"سورة
النور، الآية(55).
وقوله عز شأنه:"
ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش قليلاً ما تشكرون" سورة
الأعراف ،الآية(10). وقوله:" وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث
يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين" سورة يوسف، الآية(56).
وفي الحقيقة الإستخلاف
في الأرض يعكس أربعة أمور هي على النحو التالي:
أ) من جهة السلطة السيطرة من جانب الإنسان على الأرض
والموارد فمنطق الخلافة يقتضي سلطة القرار في حدود الوكالة والخلافة التي سبق وأن
تحدثنا عنها .معنى ذلك أن الإنسان المسلم مخلوق فعال له سلطته وقراراته الخاصة
التي تخدم المصلحة العامة دون ضرر ولا ضرار.
ب) خضوع الأرض وما فيها وما عليها من موارد لقدرة
الإنسان وسلطته بتسخير من الله سبحانه وتعالى بدليل قوله تعالى :" ألم
تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرةً وباطنةً
ومن الناس من يجادل في الله بغير علمٍ ولا هدى ولا كتابٍ منير" سورة
لقمان،الآية(20).
وقوله تعالى:"
هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه
النشور" سورة الملك،الآية(15).
وقوله تعالى :"
وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه إن في ذلك لأياتٍ لقومٍ
يتفكرون" سورة الجاثية،الآية(13).
ت) العلاقة بين الإنسان والأرض - الطبيعة - ليس صراع
ومعركة ،وإنما هي علاقة منظمة تدور حول النفع والاستفادة ، فالطبيعة خلقت بهذا
النحو لتحقيق المنافع للإنسان ولإشباع حاجاته المتنوعة والمتعددة ،فهي نعم الله عز
وجل ظاهرة وباطنة سخرها جميعاً للإنسان ، والنعمة تحمل معنى التكريم كما تحمل معنى
التنعيم للإنسان .
ث) تحديد وتشخيص وظيفة الإنسان في الدنيا وتبدو ضخامة
وعظم الوظيفة من ضخامة وعظم موضوعها ومهمتها ،أنها خلافة الله عز وجل على الأرض
بكل ما تحتوي عليه من موارد ومخلوقات.
والقيام بشأن ذلك لهو أمر جليل وعظيم يفرض على
الإنسان بذل كل ما في وسعه من جهد ممكن ،والمطلوب منه ذلك بنص القرآن الكريم لقول الله سبحانه وتعالى:" وإلى
ثمود أخاهم صالحاً قال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إلهٍ غيره هو أنشأكم من الأرض
واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب" سورة هود
،الآية(61).أي طلب منكم عمارتها والكشف عما فيها من طاقات وموارد وكنوز وخامات
وتحويلها وتبديلها بالصناعة.
ج) انضباط السلوك البشري،فهناك قواعد ومبادئ وضعها الله
عز وجل لتقوم عليها قاعدة الاستخلاف وعلى الإنسان أن يلتزم بها من منطلق إيمانه
ويقينه بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
ح) ضرورة قيام الإنسان بالنشاط الاقتصادي الذي يعمر
الأرض ويجعله مستخلف بقدر ما يريد الله سبحانه وتعالى،وضرورة استمرار توسيع
وتطويرهذا النشاط لكي يكون متمشياً مع تطور متطلبات الإنسان،حيث أودع الله سبحانه
وتعالى العديد من الطيبات لم يودعها بهذا التنوع وهذه الوفرة عبثاً لتظل كامنة في
الأرض غير مستفاد منها ، فالمولى عز وجل يخلق كل شئ لفائدة وبقدر معلوم،"إنا
كل شيء خلقناه بقدر" سورة القمر،الآية(49) .
وهذه
الاستفادة لاتتأتى إلا من خلال العمل والنشاط الاقتصادي المتنوع والمكثف ،والذي
عبر عنه المولى عز وجل بقوله"... واخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل
الله...." سورة المزمل،الآية(20). فالطيبات والموارد التي رزقها الله
لعباده هي من فضله ، وطلب منا ابتغاء فضله.
وكتب عمر إلى عامله على الحمى : أضمم جناحيك
على المسلمين وأدخل رب الصريمة ورب الغنيمة ، وإياك ونعم ابن عوف وابن عفان.([68])
2) لم يحدد الله سبحانه وتعالى إذا ماكانت البلد التي
سوف يرزقها بلداً صحراوية حارة نادرة الأمطار وذات تربة فقيرة أم صحراوية باردة قاسية
في ظروفها ، ولا ذات مناخ معتدل وتربة خصبة ،وإنما له شروط ذكرها في دستوره الكريم
الشامل ،حيث قال تعالى :" إنا لننصر رسلنا والذين أمنوا في الحياة الدنيا
ويوم يقوم الأشهاد" سورة غافر، الآية(51) .
وقوله تعالي
:" البلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لايخرج إلا نكداً كذلك نصرف
الآيات لقومٍ يشكرون" سورة الأعراف ،الآية (58).
والأخذ بالأسباب لجلب الرزق والإلتزام بمنهج الله سبحانه لهو ضرورة ، لقوله
تعالى :" إنما تعبدون من دون الله أوثاناً وتخلقون إفكاً إن الذين تعبدون
من دون الله لا يملكون لكم رزقاً فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه
ترجعون" سورة العنكبوت ،الآية(17).([69])
وكذلك بالتقوى
والإيمان بأن الله هو الرزاق، بدليل قوله تعالى :" ولو أن أهل القرى امنوا
واتقوا لفتحنا عليهم بركاتٍ من السمآء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا
يكسبون" سورة الأعراف،الآية (96) . أي بالمطرمن السماء ،ومن الأرض
النبات.
وقوله عز وجل :
" وضرب الله مثلاً قريةً كانت امنةً مطمئنةً يأتيها رزقها رغداً من كل
مكانٍ فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون، ولقد
جآءهم رسولٌ منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون ،فكلوا مما رزقكم الله حلالاً
طيباً واشكروا نعمت الله إن كنتم إياه تعبدون" سورة النحل ، الآيات(112-114).
وفي آية أخرى قوله تعالى:" ذلك بأن الله لم يك
مغيراً نعمةً أنعمها على قومٍ حتى يغيروا
ما بأنفسهم وأن الله سميعٌ عليم" سورة الأنفال، الآية(53).
وكذلك بالدعاء
والأستغفار والتوبة إلى الله سبحانه وتعالى لقوله :" وياقوم استغفروا ربكم
ثم توبوا إليه يرسل السمآء عليكم مدراراً ويزدكم قوةً إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين"
سورة هود، الآية(52).
وكذلك دعوة
سيدنا إبراهيم :"ربنا إني أسكنت من ذريتي بوادٍ غير زرعٍ عند بيتك المحرم
ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدةً من
الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون" سورة
إبراهيم،الآية(37).
3) والله سبحانه
وتعالي هو الذي تكفل بالرزق لمخلوقاته بقدرته وحكمه في ذلك ويظـــــــهر ذلك في
قوله تعالى:" وما
من دآبةٍ في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كلٌ في كتابٍ
مبين" سورة هود ، الآية(6).
وقوله تعالى:" وكأين من دآبةٍ لا تحمل رزقها
الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم" سورة العنكبوت،الآية(60).
قوله تعالى:" قل ربي يبسط الرزق لمن يشاء من
عباه ويقدر له ومآ أنفقتم من شئٍ فهو يخلفه وهو خير الرازقين" سورة سبأ
،الآية(39) .
وقوله تعالى :" ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا
في الأرض ولكن ينزل بقدرٍ ما يشاء إنه بعباده خبير بصير" سورة الشورى
،الآية(27).
وقال
تعالى:" لئلا يعلم أهل الكتب ألا يقدرون على شئٍ من فضل الله وأن الفضل
بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم" سورة الحديد ،الآية(29).
وقال تعالى:" قل اللهم مالك الملك
تؤتي الملك من تشآء وتنزع الملك ممن تشآء وتعز من تشآء وتذل من تشآء بيدك الخير
إنك على كل شئٍ قديرٌ تولج اليل في النهار وتولج النهار في اليل وتخرج الحي من
الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشآء بغير حسابٍ" سورة آل عمران
،الآيتان(26،27) ،أي رزقاً واسعاً.([70])
وقال
تعالى:" أهم يقسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا
ورفعنا بعضهم فوق بعضٍ درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً ورحمت ربك خيرٌ مما يجمعون"
سورة الزخرف،الآية(33)،أي جعلنا بعضهم غنياً وبعضهم فقيراً.([71])
قال تعالي
:" قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ولكن أكثر الناس لايعلمون :
سورة سبأ ،الآية(36- 39).
وقوله عز وجل
: " والله فضل بعضكم على بعضٍ في
الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سوآء فبنعمة الله
يجحدون" سورة النحل ،الآية (71).
وقال تعالى :"
... فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشةً ضنكاً
ونحشره يوم القيامة أعمى" سورة طه،الآية(123،124).
وقول الحق جل
وعلا:" ... من كان يؤمن بالله واليوم الأخر ومن يتق الله يجعل له مخرجاً
ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه..." سورة
الطلاق،الآية(2،3).
وقوله :" وألو استقاموا على الطريقة
لأسقيناهم مآءً غدقاً" سورة الجن،الآية(16).
4) استغلال الأرض والاستفادة من مواردها في تنمية اقتصاد
البلاد يحتاج إلى العمل بالجد والاجتهاد والمعرفة كما علم الله سبحانه وتعالى الإنسان ،وحثه على ذلك ،وبينه في كثير من
الآيات القرآنية ، قال تعالى:" هو الذي جعل لكم الأرض فامشوا في مناكبها
وكلوا من رزقه وإليه النشور" سورة الملك ،الآية(15) ،أي سهلة للمشي في
جوانبها لتأكلوا من رزق الله سبحانه وتعالي المخلوق لأجلكم([72]).
وقوله تعالى:"
قل أعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة
فينبئكم بما كنتم تعملون" سورة التوبة ،الآية(106).
وقال
تعالى:" فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله"
سورة الجمعة ،الآية(1).([73])
وجاء ت السنة
النبوية بخصوص العمل والإنتاج والاجتهاد
عليه بأحاديثٍ كثير منها : عن إبراهيم بن موسى : قال أخبرنا عيسى ،عن ثور ، عن
خالد بن معدان،عن المقدام رضي الله عنه ،عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما
أكل أحد طعاماً قط ،خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام
كان يأكل من عمل يده" (رواه البخاري).
وعن يحي بن
بكير: حدثنا الليث، عن عقيل ، عن ابن شهاب ،عن أبي عبيد ،مولى عبد الرحمن بن عوف :
أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله عليه وسلم: لأن يحتطب أحدكم
حزمة على ظهره، خيرٌ من أن يسأل أحداً ،فيعطيه أو يمنعه" (متفق عليه).
وعن يحي بن
موسى: حدثنا وكيع: حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن الزبير بن العوام رضي الله عنه
قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لأن يأخذ أحدكم أحبله خيرٌ له من أن يسأل
الناس".
وعن محمد قال:
حدثنا عبد الله بن يزيد: قال: حدثنا سعيد قال: حدثني أبو الأسود ،عن عروة قال:
قالت عائشة رضي الله عنها: كان أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام عمال
أنفسهم،وكان يكون لهم أرواحٌ، فقيل لهم: لو اغتسلتم"([74]).
وعن أبي هريرة
صلى الله عليه وسلم قال:" كان زكريا عليه السلام نجاراً" (رواه مسلم).
هذه الآيات
القرآنية الكريمة والآحاديث الشريفة تبين أن الله أوجد الرزق والخير للبشرية لكي
يستفيدوا منه وأرشدنا على كيفية الاستفادة من الخيرات،وذلك بالإيمان والتقوى وأن
يعبد الإنسان الله سبحانه وتعالى لايعبد أحد سواه ، والعمل الصالح والجد والاجتهاد
لأن الله سبحانه وتعالى ميز الإنسان عن سائر مخلوقاته ،قال تعالى :" لقد
خلقنا الإنسان في أحسن تقويم " سورة التين ،الآية(4) .
وقوله :"
لقد كرمنا بي آدم وحملناه في البر والبحر" سورةالإسراء ،الآية (70) من
عقلٍ وعلم ،حيث أول آية أنزلها الله سبحانه وتعالى على سيد الخلق محمد عليه الصلاة
والسلام هي :" اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علقِ اقرأ وربك
الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان مالم يعلم" سورة العلق ، الآية(5).
ولو تفحصنا
الآيات القرآنية الكريمة نجدها تضم (13) آية قرأنية تبين أن الله سبحانه وتعالى هو
الذي يوحي لأنبيائه لكي يعلموا أممهم التي أرسلوا إليهم،وفي ذلك قال تعالى:"
إنآ أوحينآ إليك كمآ أوحينآ إلى نوحٍ والنبيين من بعده وأوحينآ إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب
والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وأتينا داوود زبورا " سورة
النساء،الآية(163).
وقوله :"
وكذلك أوحينآ إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه
نوراً نهدي به من نشآء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيمٍ "
سورة الشورى،الآية(52)،لأن الله سبحانه وتعالى يعلم تماماً أهمية العلم، ومن دونه
لايستطيع الإنسان يستغل تلك الخيرات والأرزاق التي وهبها الله سبحانه وتعالى له.
وأورد القرآن
الكريم والسنة النبوية الكثير الآيات والآحاديث التي تبين أهمية العمل في الإنتاج
،وهي على النحو التالى:
أ) العمل مبدأ إساسي في الإسلام ،قال تعالى:" هو
الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فأمشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور"
سورة الملك،الآية(15). فالأرض مذللة لكم سيروا في أرجائها
وآفاقها الواسعة وفجاجها البعيدة بحثاً عن خيراتها الكثيرة التي بثها الله لكم فوق
ظاهر الأرض وفي باطنها وفوق جبالها ووديانها وفي هوائها ومائها.
ب) اهتم الإسلام بتنظيم الاقتصاد بتقريره حق العمل لكل
إنسان فقد روى الأمام البخاري أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلب منه
صدقة فأمره النبي بالإنتظار ثم دعا بقدوم ودعا بيد من خشبٍ سواها بنفسه ووضعها فيه
ثم دفعه للرجل وأمره أن يذهب إلى مكان معين ليحتطب ليكسب قوته وقوت عياله وطلب
إليه الرسول أن يعود بعد أيام ليخبره بحاله ،وقد أفلح الرجل في تحسين حاله.
فالرسول مشرعاً لهذه الأمة لا ينطق عن الهوى
، وكانت أعماله تشريعاً للأمة ،يقول تعالى:" وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع
بأذن الله" سورةالنساء، الآية(64).
وقوله
تعالى:" .... ومآ أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فأنتهوا واتقوا الله إن
الله شديد العقاب" سورةالحشر ،الآية(7).
هذا الهدي النبوي الشريف هو بمثابة تشريع
للعمل يتفق مع مسؤولية السلطة السياسية والتشريعية بالدولة ، فهي تستطيع أن تحقق
العمل والإنتاج بوسائل عديدة كالسياسة المالية ،والنقدية والقرارات الإدارية، كما ارشدنا
المصطفى صلى الله عليه وسلم أيضاً إلى أخلاقيات العمل والإنتاج في قوله:" من
غشنا فليس منا" ،وفي المقابل لايظلم العامل المنتج ولا يبخس في جهوده ،لقول
المولى عز وجل:" ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض
مفسدين" سورة الشعراء، الآية(183). كما للفرد حق على المؤسسة السياسية
الشرعية ، فأن عليه حقوق تجاهها فمسؤولية
الفرد الطاعة للراعي في غير معصية الله ورسوله ، والتي يقررها الرسول عليه الصلاة
والسلام في قوله :" كلكم راعٍ...." ، ويستنتج من ذلك ما يلي:
· على السلطة السياسية التشريعية بقيادة حاكم البلاد أن توفر للقادرين على
العمل العمل ولا تتركهم إلى التسويف والمماطلة بل عليها تدبر الأمر كما فعل رسول
الله عليه الصلاة والسلام ،وذلك من أجل تعمير الأرض والإنتاج وتنمية اقتصاد
البلاد، وحتى لا تكثر أعداد العاطلين التي قد تنشأ على أثرهم العديد من المشكلات
الاجتماعية ، وبالتالي يصبح مجتمعا فاسدا استهلاكياً لا يعول عليه في تنمية البلاد
أو نفع العباد.
· وجوب أطمئنان السلطة التشريعية على سير العمل ورخائه للعامل وقد رأينا
رسولنا الكريم كيف تابع الرجل لكي يطمأن على حاله.
· حق العمال على السلطة السياسية التشريعية أن تهيئ العمل بوسائله المختلفة،وأشار
الأمام الغزالى في كتاب الأحياء فقال: ندب ولي الأمر بعد كل هذا إن يزود العامل بآلة
العمل، فالنجار آلة النجارين ، والحداد آلة الحدادين ، وهكذا إستناداً إلى ما جاء
في الحديث الشريف عندما جهز النبي الرجل قدوم ليحتطب.([75])
وعلى المؤسسة السياسية
الشرعية توفير الأموال للذين يردون أن يؤسسوا مشروعات إنتاجية سواء كانت صناعية أم
زراعية أو تجارية بالطرق المشروعة لكي يحموا الرعية من الإنجراف نحو الطرق غير
الشرعية ،وهذا ما يسمى بالقرض الحسن، لقول المولى عز وجل:" من ذا الذي
يقرض الله قرضاً حسناً، فيضاعفه له ، وله أجرٌ كريم" سورة الحديد،
الآية(11).
وقوله عز وجل
:" إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضاً حسناً يضاعف لهم ولهم أجرٌ
كريم" الحديد ،الآية(18)،وهذا مايؤدي إلى دولة حديثة متطورة ومتزايدة في إنتاجها من قطاعاتها الاقتصادية
المختلفة.
وتقوم بمثل
هذا التمويل البنوك الإسلامية ، وحسب تقرير صندوق النقد الدولي يذكر أن البنوك الغربية
بدأت تطبق أحكام الشريعة الإسلامية في المعاملات المصرفية والتمويل الإسلامي ([76])،
مما يعني بكل تأكيد نجاح هذا النوع من المعاملات في حل العديد من المشكلات
والإزمات الاقتصادية المزمنة التي تعاني منها العديد من دول العالم،وهذا يؤكد
مانسعى إليه لتطبيق المنهج الألهي في نظريتنا على أرض الواقع.
5) إن الإسلام يكره البطالة والاتكالية وذل السؤال واعتبر الإنتاج
عن طريق العمل شرف لصاحبه لقول نبينا الكريم :" ما أكل إنسان قط خيراً من أن
يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده".
وقول الرسول
عليه الصلاة والسلام :" لا بارك الله بأمة تأكل مما لا تنتج وتلبس مما لا
تحيك".
وهذا دليل على الإنتاج وتوسيع الإنتاج بشقيه الصناعي
والزراعي ومايترتب عليه من تنمية اقتصادية ،والأمر باستثمار الموارد الطبيعية
المتوفرة لدى كل دولة.
فطالما
الإنسان قادراً على العمل يتوجب عليه أن لايتواني في ذلك حتى يكون عنصراً فاعلاً
في المجتمع ،ولكي يتضاعف الإنتاج بالدولة وكذلك لاستغلال الموارد المتوفرة
بالدولة،وكذلك لاينظر الإسلام إلى نوع العمل الذي يمارسه الفرد ولايستحقره – فإن هذه
نظرة الهندوكين إلى البوذين- طالما لايخالف مبادئ الشريعة الإسلامية، ذلك لقول
المصطفى نبينا الكريم :" لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة حطب على ظهره
فيبيعها خير له من أن يسأل الناس ،وأعطوه أو منعوه"(رواه البخاري).
وعن أبي هريرة
رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من طلب الدنيا
حلالاً استعفافاً عن المسألة،وسعياً على أهله وتعطفاً على جاره، لقى الله تعالى
يوم القيامة ووجهه مثل القمر ليلة البدر،ومن طلب الدنيا حلالاً ،مكاثراً مفاخراً
مرائياً،لقي الله تعالى وهو عليه غضبان"(رواه البيهقي).([77])،
ولذلك اهتم الإسلام بالعمل الحرفي لما فيه من أهمية تشكل القاعدة الأولى للصناعات
وتطويرها نحو تقدم وتطور اقتصاد الدولة.
ويركز الإسلام بشكل كبير على موضوع تعلم خبرات
الدول الأخرى والتأثر بهم ومن التاريخ ما يؤكد ذلك فقد أرسل الرسول صلى الله عليه
وسلم عروة بن مسعود وغيلان بن سلمة إلى جرش لتعلم المنجنيق وآلة الحرب . فالدول
الإسلامية يجب أن تسعى اليوم إلى إيفاد الطلبة للتعلم واكتساب العلم والمعرفة من
الغرب لكي تمتلك الخبرات التي تقوم بتشغيل الآلات أولاً ثم تقوم باستيراد الآلات
التي تتناسب وطبيعة كل دولة.([78])
6) أقر الإسلام حرية التفكير والابتكار والتجديد ،
وإتقان العمل ،فالفكر الإسلامي هو الذي أوجد الدولة وإنشاء نظام وكان السباق في
حرية الفكر والبحث العلمي للتوصل إلى أفضل الوسائل لتنمية الاقتصاد وتحرير
المسلمين من ذل الفقر وسطوة الدول الغنية واستبداد أصحاب الصناعات والموارد
وجشعهم، والآيات القرآنية والآحاديث النبوية كثيرة في هذا الخصوص ،ومنها : حيث
يحثنا المولى عز وجل على العمل في قوله
تعالى :" هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه
وإليه النشور" (سورة الملك – آية 15).
وقوله :"وقل
اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون...." سورةالتوبة،الآية(105)
،ويكرمنا المولى عز وجل ويجزينا عليه بقوله:" إنا لانضيع أجر من أحسن
عملاً " سورةالكهف، الآية(30).
وقوله عز
وجل:" واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين" سورة هود ،
الآية(115).
وقوله:"
يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين"سورة آل
عمران،الآية(171).
وقوله:" إن
الله يحب المحسنين"سورةالبقرة،الآية(195).وقوله:" إن الذين أمنوا
وعملوا الصالحات لهم أجرٌ غير ممنون" سورة فصلت،الآية(8).
وقول
المولى:"... قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا
...." سورة القصص،الآية(25).
وقوله عز
وجل:" إني أريد أن أنكحك أحدى أبنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن
أتممت عشراً فمن عندك وما أريد أن أشق عليك" سورة القصص،الآية(27).
وكرم نبينا
العمل الذي ينتجه الإنسان ،فكان يقبل يداً ورمت من كثرة العمل قائلاً :" أن
الله يحب العبد المحترف". وقوله:" إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن
يتقنه" وهو حديث صحيح.([79])
،
وقوله صلى
الله عليه وسلم : أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه "، وقوله عليه الصلاة
والسلام :" من أحيا أرضاً فهي له " وقوله أيضاً : " من كانت له أرض
فليزرعها أو ليمنحها أخاه فإن أبى فليمسك أرضه".
كل ذلك تمجيدأ للعمل من أجل تشجيع الإنسان على
الإنتاج لأنه ضرورة ملحة للإنسان لكي يعمر
الأرض بأستغلاله خيراتها التي وهبها الله إياها لكي ينعم بها ويسعد ،وكل ماهو
ضروري لايُمنع عن الناس لقول المولى عز وجل:" قل من حرم زينة الله التي
أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هى للذين أمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم
القيامة كذلك نفضل الأيات لقومٍ يعلمون" سورةالأعراف،الآية(32) . فالعمل
يجلب المصالح ويدفع المفاسد " دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح" ، وهي
قاعدة فقهية شرعية.([80])
كما أوجب
الإسلام الحفاظ على الأموال التي تنتج عن العمل بالتداول أي بالعمل بها في الأوجه
التي أحلها الله سبحانه وتعالى، حتى لا ينفذ المال ،وحتى لايكتنز المال ويقل فتقل الزكاة والصدقات فيزداد الفقر والجهل ،
وذلك لقول المولى عز وجل:" والذين يكنزون الذهب والفضة....."
سورة التوبة، الآيتان(34،35).
وإن المال
يتضاعف إذا ما أنفق في الأوجه الشرعية التي بينها الله لنا سبحانه وتعالي في
قوله:" مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل
في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم " سورة
البقرة،الآية(261)،وكذلك دلنا الله سبحانه وتعالى على كيفية إنفاقه بقوله:" وأنفقوا
في سبيل الله ولا تلقوا بأيدكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين"
سورة البقرة ، الآية(195).
7)إقرار الإسلام تكوين الحركات النقابية لكي تحمى حقوق
العاملين وتطوير أعمالهم،وظهر ذلك منذ العصر العباسي نوع من التكتلات المنظمة بهدف
التطور المهني ،وكان لتلك التنظيمات قاعدة تقليدية للاتصال بالحكومة عبر ما يعرف
بالمحتسب من أجل إبداء وجهة النظر المهنية والتنسيق معه فيما يراه من تعليمات
لتنظيم السوق.
كما كان لكل
مجموعة مهنية نقيباً يلقب بالشيخ يتولى تدبير شؤونها ويمثلها في اتصالاته مع
الجهات الرسمية ،ويختاره أعضاء المجموعة الحرفية ويقره المحتسب،وعلى ما يبدوا أن
هذا اللقب" النقيب" يعود إلى قول المولى عز وجل:" .... وبعثنا
منهم إثنى عشر نقيباً وقال الله إني معكم...." سورة المائدة،الآية(12). يعني
عرفاء على قبائلهم بالمبايعة والسمع والطاعة لله والرسوله ولكتابه،وقد ذكر ابن
عباس عن بن إسحاق وغير واحد أن هذا كان لما توجه موسى عليه السلام لقتال الجبابرة
فأمر بأن يقيم نقباء من كل سبط نقيب.
وقال الأمام
أحمد حدثنا حسن بن موسى حدثنا حماد ابن زيد عن مجالد عن الشعبي عن مسروق قال كنا
جلوساً عند عبد الله ين مسعود وهو يقرئنا القرآن فقال له رجل يا أبا عبد الرحمن هل
سألتم رسول الله صلى الله عليه وسلم كم يملك هذه الأمة من خليفة؟ فقال عبد الله ما
سألني هنا أحد منذ قدمت العراق قبلك ثم قال نعم ولقد سألنا رسول الله فقال:"
أثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل"،هذا الحديث ثابت في الصحيحين من حيدث جابر
بن سمرة قال سمعت رسول الله يقول:" لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا
عشر رجلاً".
وفي بيعة العقبة
الثانية بايع النبي عليه الصلاة والسلام ثلاثة وسبعين رجلاً وأمرأتين،وطلب منهم أن
يخرجوا من بينهم إثنى عشر نقيباً ليكونوا على قومهم بما فيهم.([81])
وهناك نقابات
عمالية في كثير من الدول الإسلامية خاصة العربية ولكنها غير فاعلة ليس لها دور كبير
في التنمية الاقتصادية بل هي مترهلة ،حيث تقع تحت سيطرة النظام الحاكم بما يتمشى
مع سياستها،لذلك الظلم واقع ومنتشر بين الطبقات العمالية في العالم العربي وغيره
من بلاد العالم .
9) يحتاج استغلال الأرض والموارد التي وهبها الله إلى
الإنسان بالدرجة الأولى إلى خطة استراتيجية واضحة تهدف إلى تغيير الواقع الاقتصادي
المتخلف والوصول إلى التقدم المنشود اعتماداً على إمكانيات المجتمع وموارده
المتعددة والاستفادة من الأساليب العلمية والتقنية الحديثة،ويتأتى ذلك من خلال دور
المؤسسة السياسية الشرعية بقيادة حاكم البلاد ،والذي لايقتصر على مجرد تشجيع
القطاع الخاص ،بل يتعدى ذلك للتدخل المباشر والقيام بالأنشطة الاقتصادية المتعلقة
بتنمية وتطوير الثروات الطبيعية ، وبينت الآيات القرآنية الكثيرة التي تقدم ذكرها
في سياق حديثنا الخطط الاقتصادية التي
وضعها الله سبحانه وتعالى ورسوله.
والتخطيط الهيكلي في الإسلام يقوم على أساس
الموازنة والملائمة والعدالة بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع ،وهذا يعبر عنه
القرآن الكريم في قول المولى عز وجل:" وكذلك جعلناكم أمةً وسطاً...)
سورة البقرة،الآية(143).
ومن الخطط
الاقتصادية التي وضعها الله سبحانه وتعالى والتي تتمثل في قوله:" وأتوا
النسآء صدقاتهن نحلةً فإن طبن لكم عن شيءٍ منه نفساً فكلوه هنيئاً مرياً ،ولاتؤتوا
السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولاً
معروفاً، وابتلوا اليتامي حتى إذا بلغوا النكاح فإن أنستم منهم رشداً فادفعوا
إليهم أموالهم ولاتأكلوا إسرافاً وبداراً أن يكبروا ومن كان غنياً فليستعفف ومن
كان فقيراً فليأكل بالمعروف فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم وكفى بالله
حسيباً، للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنسآء نصيبٌ مما ترك الوالدان
والأقربون مما قل منه أو كثر نصيباً مفروضاً،وإذا حضر القسمة أولوا القربى
واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولاً معروفاً،وليخش الذين لو تركوا
من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً، إن الذين
يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً، يوصيكم
الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساءً فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك
وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحدٍ منهما السدس مما ترك إن كان له ولدٌ
فإن لم يكن له ولدٌ وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوةٌ فلأمه السدس من بعد
وصية يوصي بها أو دين أبآؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعاً فريضةً من
الله إن الله كان عليماً حكيماً ،ولكم نصف ما ترك
أزواجكم إن لم يكن لهن ولدٌ فإن كان لهن ولدٌ فلكم الربع مما تركن من بعد وصية
يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولدٌ فإن كان لكم ولدٌ فلهن
الثمن مما تركتم من بعد وصيةٍ توصون بها أو دين وإن كان رجل يورث كلالة أو أمرأة
وله أخ أو أخت فلكل واحدٍ منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث
من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضارٍ وصيةً من الله والله عليم حليم" سورة
النسآء، الآيات(3-12).
أنها أحكام
تقدمت في شأن اليتامي والوصايا والمواريث وسميت حدوداً لأن الشرائع كالحدود
المضروبة للمكلفين لا يجوز لهم أن يتجاوزوها ويتخطوها إلى غيرها ،أذن هي
خطة اقتصادية كبيرة و ضخمة وضعها المولى عز وجل حتى نهتدي بها وحتى لا يظلم أحد من
المستحقين .([82])
وخطة سيدنا
يوسف لقول المولى عز وجل:" يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات سمانٍ
يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلاتٍ خضرٍ وأخر يابساتٍ لعلي أرجع إلى الناس لعلهم
يعلمون، قال تزرعون سبع سنين دأباً فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلاً مما
تأكلون ،ثم يأتي من بعد ذلك سبعٌ شدادٌ يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلاً مما تحصنون،
ثم يأتي من بعد ذلك عامٌ فيه يغاث الناس وفيه يعصرون" سورة
يوسف،الآيات(46- 49).
وبدأ سيدنا يوسف بتنفيذ الخطة الاقتصادية بعد أن
أستلم أعلى سلطة اقتصادية في تلك الفترة ،وهو قابض على مقاليد الأمور في مركز
التموين في الشرق الأوسط ، قال عز وجل:" وقال الملك ائتوني به أستخلصه
لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكينٌ أمينٌ، قال اجعلني على خزآئن الأرض إني
حفيظ عليمٌ،وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء
ولا نضيع أجر المحسنين" سورة يوسف،الآية(54،56).
وقد أظهر القرآن الكريم الكثير من الآيات
القرآنية التي تبين لنا التخطيط الاقتصادي عندما بين المولى عز وجل الفئات التي
تستحق الزكاة لقوله تعالى:" إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين
عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من
الله والله عليم حكيم"سورة التوبة،الآية(60).
وقوله :" يسئلونك
ماذا ينفقون قل مآ أنفقتم من خيرٍ فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن
السبيل وما تفعلوا من خيرٍ فإن اله بع عليم" سورة البقرة،الآية(215). ولم
تبين لنا الآيات مقدار الزكاة التي تدفع للمحتاجين،والموارد التي تدفع عليها أو
لايدفع عليها زكاة أو أوقاتها،وإنما عين مقدارها وحددها الرسول في السنة الثانية
من الهجرة.
كما بين لنا المولى عز وجل مصادر
الأموال التي تؤخذ منها الصدقات لقوله عز وجل:" خذ من أموالهم صدقة تطهرهم
وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم والله سميع عليم" سورة التوبة ، الآية(103). كما بين
لنا القرآن الكريم أوقات الأنفاق لقوله :" الذين ينفقون أموالهم باليل
والنهار وسراً وعلانيةً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون)
سورة البقرة، الآية(274).
وقوله عز وجل:" ياأيها الذين أمنوا أنفقوا مما
رزقناكم ...) سورة البقرة،الآية(254).
وقوله
تعالى:" الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يبتغون مآ أنفقوا مناً ولا
أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون" سورة
البقرة،الآية(262).
وقوله:" ياأيها الذين أمنوا أنفقوا من
طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم
بأخذيه إلا أن تغمضوا فيه واعلموا أن الله غني حميد" سورة البقرة ،الآية(267).
يأمر الله تعالى عباده المؤمنين بالإنفاق والمراد به الصدقة ، قال ابن عباس من
طيبات ما رزقهم من الأموال التي اكتسبوها ، قال مجاهد يعني التجارة ، ومن الذهب
والفضة ومن الثمار والزروع التي أنبتها لهم من الأرض([83]).
وهناك إرشادات
ماليه واقتصادية في قوله عز وجل:" زين للناس حب الشهوات من النسآء والبنين
والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع
الحياة الدنيا والله عنده حسن المأب ،قل أؤنبئكم بخيرٍ من ذلكم للذين اتقوا عند
ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله
بصير بالعباد" سورة آل عمران ،الآيتان(14،15).
وواجه سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام مشكلة
اقتصادية في دار الهجرة ، وبين القرآن الكريم حال الفقراء المستحقين لأموال الفئ
ووجوهه ، لقول المولى عز وجل :" مآ أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله
وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لايكون دولة بين الأغنياء
منكم ومآ أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد
العقاب، للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله
ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون"سورة الحشر،الآيتان(7،8
).
وقوله عز
وجل:" يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول.....) سورة الأنفال،الآية(1)
قال البخاري : قال ابن عباس الأنفال هي المغانم .
وحديث الرسول
عليه الصلاة والسلام عندما قال:" من كان عنده فضل ظهرٍ فليعد به على من لا
ظهر له ، ومن كان عنده فضل زادٍ فليعد به على من لا زاد له "( رواه أبو سعيد).
كما فرض
الإسلام على المجتمع ممثلاً في حكومته كفالة العيش الكريم لكل مواطن ،فحديث الرسول
عليه الصلاة والسلام :" أيما أهل عرصة أصبح فيهم أمرؤ جائعاً فقد برئت منهم
ذمة الله تعالى" (رواه أحمد والبزار والحاكم)([84]).
وأن مسؤولية
المؤسسة السياسية الشرعية هي عمارة البلدان باعتماد مصالحها ،وتهذيب سبلها
ومسالكها وحمايتها عن طريق التخطيط الاقتصادي حسب ما تقتضيه مصلحة الرعية دون ضرر،
فالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حمى أرضاً بالبقيع. كما قسم أموال بني النضير
بين المهاجرين ما عدا أثنين من النصار أعطاهما الرسول بسبب فقرهما.
وينقل عن عمر
بن الخطاب عنه أنه رفض توزيع أرض بالعراق على الفاتحين ،وحسبها لمصلحة المسلمين
عامة ،وقال في ذلك قوله المشهور: إذا وزعتها الآن ،فماذا يبقى لمن يجيء بعدنا.إن
المعنى الاقتصادي الذي يمكن استنتاجه من الدليلين السابقين هو أن للجماعة
الإسلامية ممثلة في ولي الأمر أن تستبقي في نطاق الملكية العامة بعض الأموال التي
وضعت في يد الدولة.
وكتب عمر إلى
عامله على الحمى: أضمم جناحيك على المسلمين وأدخل رب الصريمة ورب الغنيمة ،وإياك
ونعم ابن عوف وابن عفان.([85])
ولم يحدد المولى عز وجل الخيرات والثمرات
إلى فئة دون أخرى من الناس فالكل عباده وهم في حاجة إلى ضرورات الحياة سواء. لافضل
في ذلك الرزق لأحد على أحد ، لقول الرسول عليه الصلاة والسلام :" لا فضل
لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى، إن أكرمكم عند الله
أتقاكم"(أخرجه البيهقي).
فالفرق بين
الأفراد لا يكون إلا بالتقوى والعمل الصالح ،ولا يجوز أن تهئ الدولة العمل
والخيرات لفئة دون أخرى، فكل بقعة من الأرض إنما هي مائدة أزلية مدها الله لأهلها
وجعل لهم ما يجدون فيها من ألوان الطعام والزينة والموارد الأخرى التي تقدم ذكرها
في آيات كثيرة.
الخاتمة
|
أولا : النتائج :
نستنتج من
خلال منااقشة الأدلة الشرعية لفرضيات الدراسة مايلي :
1- إن الله عزوجل ورسول صلى الله عليه وسلم وضع كافة
القوانين الاقتصادية التي تحتاجها التنمية لجميع قطاعات الدولة .
2- مسؤولية المؤسسة الشرعية اتجاه تنويع الاستثمار الشعبي في كافة
المجالات المختلفة بتوازن من أجل الوصول على تنمية اقتصادية حقيقة تضمن رقي الدولة
وتقدمها.
3- إن المولى عز وجل ورسوله الكريم قد بين لنا أوجه الموارد
الاقتصادية التي تمكن الإنسان من النهوض ببلاده وسد حاجياته.
4- ارتباط الحالة الاقتصادية بالدولة الإسلامية كان مرتبطاً بحالة
المؤسسة الشرعية الحاكمة.
5- إن ظلم الرعية من قبل ولي الأمر من أسباب زوال الكثير من النعم
والملك .
6- ضرورة أن تهتم المؤسسة الشرعية بالاتصال الخارجي من أجل سد ما
ينقصها من سلع وخامات من شأنها تؤدي إلى تنويع الإنتاج ، والأكتفاء الذاتي.لأن
الله عز وجل جعل لكل دولة ميزة اقتصادية أما نسبية وأما مطلقة في الإنتاج تميزها
عن غيرها من الدول.
7- ضرورة التوازن في تنمية كافة المجالات بوتيرة واحدة وفق خطة
استراتيجية معدة من قبل اختصاصيين.
8- شرعية تدخل المؤسسة الشرعية منذ البداية في النظام الإداري إذا
ما رأت فيه فسادا أو انحرافا يؤدي إلى الأضرار بالمجالات الاقتصادية المختلفة
بالدولة.
9- إن الله سبحانه وتعالى قد بين للإنسان مصادر الأموال التي تمكن المؤسسة الشرعية من تنمية
مجالاتها الاقتصادية بالدولة.
10- أهمية انتقاء البطانة الصالحة من قبل ولي الأمر لولاة الأمر للعمل
بإخلاص وبنزاهة ، ذلك من شأنه أن يعمل على التنمية الاقتصادية بالبلاد.
11- إن الله عز وجل وفر كل ما يلزم لكي يعمر الإنسان الأرض.
12- ضرورة أن يشكر الإنسان المولى عز وجل على النعم التي
وهبها له من باب ، و لان شكرتم
لأزيدنكم.
13- توفر الرزق يلزمه ضرورة إيمان الإنسان بالله ورسوله الكريم ،لأن
الأنكار يذهب الرزق.
14- على الحاكم أن يوفر الحرية المشروعة والآمان للرعية حتى يتمكنوا من
العمل والإنتاج .
15- ضرورة انضباط السلوك البشري ليكونوا على كفاءة عالية من أجل استخلافهم
في الأرض.
16- أهمية تطوير الإنسان لذاته وأساليب استغلال الخيرات التي وهبها المولى
عز وجل في الأرض والسماء والبحر، وذلك عن طريق البحث العلمي.
17- لم يحدد المولى عزوجل البلد التي سوف يرزق أهلها إذا ماكنت صحراوية أو
معتدلة ، ولكن ضرورة صلاح أهلها.
18- إن الدعاء والاستغفار من عوامل توفر الرزق للعباد.
19- الإيمان بأن الله هو الذي يقدر الرزق لمن يشاء من عباده.
20- تحفيز العامل مهم جدا في زيادة الإنتاج وتنمية البلاد.
21- عدم احتقار أي الأعمال حتى وأن كانت صغيرة ، لأن ذلك من شأنه أن يقلل
الإنتاج والتنمية الاقتصادية.
22- تشغيل الأموال بالطرق المشروعة ، لأن ذلك يؤدي إلى زيادتها وزيادة
زكاتها وصدقاتها ، مما يعود ذلك بالنفع على القوة الشرائية.
24- أجاز الإسلام تكوين الحركات النقابية التي تحمي حقوق العامل وهذا
يحفزهم على العمل والإنتاج ، مما يؤثر ذلك في التنمية الاقتصادية.
25- إن التخطيط السليم لأي عمل
يؤدي إلى تنمية اقتصادية ناجحة.
ثانيا: التوصيات والمقترحات:
1- ضرورة الإيمان بالله كتبه ورسله لأن ذلك يجعل الموارد
اللازمة للتنمية الاقتصادية متاحة للبشر.
2- أهمية العمل على تثقيف الرعية بأهمية المحافظة على
الموارد الطبيعية والبشرية التي وهبها المولى عز وجل لهم ، واستغلالها بالطرق
العلمية الصحيحة وعدم استنزافها، لتبقى للآجيال القادمة.
3- اعتبار كل فرد من أفراد الرعية مسؤول أساسي في عملية
التنمية الاقتصادية كل حسب عمله وموقعه ، لأن ذلك هو مصدر رزقهم ، فإن حافظوا عليه
اتسعت ارزقاهم ، وإن أهملوا فيه ضاقت ارزقاهم.
4- ضرورة ترك مجال لأفراد الشعب بأن يساهموا في إنشاء المشاريع
مهما كانت صغيرة.
5- تسهيل إجراءات الاستثمار داخل البلاد ، وخارجها ، من شأنه يؤدي
إلى التنمية اللاقتصادية بالبلاد.
6- ضرورة إنشاء مشاريع عن طريق الأسهم من قبل الرعية كل حسب قدرته
المالية ، وهذا مصدر من مصادر توفير الأموال من أجل التنمية الاقتصادية ، وكذلك
يجعل الدولة في بحبوحة مالية.
7- أهمية توفير المياه في الدول التي تعاني من نقص فيها عن طريق
تحلية مياه البحر ، وعن طريق مساهمة المواطن بأمواله الخاصة كنوع من الاستثمار .
8- استصلاح الأراضي الزراعية وتوزيعها على أفراد الشعب
القادرين على العمل بها، من شأنه أن يخلق فرص عمل ، ويوفر الخامات المختلفة التي
تسهم في تنشيط بقية القطاعات الأخرى بالبلاد.
9- توفير القروض الحسنة لأفراد الشعب من شأنه أن يشجع
ويحفز على الإنتاج والتنمية في كافة القطاعات الإنتاجية والخدماتية بالبلاد.
10- العمل الجاد وفق تخطيط استراتيجي تشمل كافة القطاعات
المختلفة بالدولة.
11- ضرورة إطاعة ولي الأمر في غير معصية الله ، من شأنه
يسرع في وتيرة تنفيذ الخطة المرسومة من قبل المسؤولين.
12- الاهتمام الاتصال الخارجي من أجل ابتعاث الطلبة
لتعلم التكنولوجيا الحديثة وتبادل الخبرات التي من شأنها تزيد من تطور أساليب
الإنتاج ، وبالتالي التنمية الاقتصادية.
13- عقد الاتفاقيات في جميع المجالات بين دول التي يتوفر
فيها ما يلزمنا ، والأسواق التي تستوعب إنتاجنا ، وهذا من شأنه أن يوفر الخامات
الناقصة ، وتصدير الفائض منها ، وبالتالي يوفر الأموال التي تعمل على أمكانية
التنمية الاقتصادية بالبلاد.
ثالثا: المصادر
والمراجع.
1- الأمام أحمد بن عبد الحليم بن عبد
السلام بن عبد الله بن تيمة : الحسبة في الإسلام، دار الأرقم، الكويت، ط ، 1983م.
|
2-الأمام الحافظ أبي عبد الله محمد إسماعيل البخاري : صحيح البخاري، المكتبة
العصرية ، بيروت ، ط1 ، 2002م.
|
2-
الإمام
الحافظ ابن قيم الجوزية : أعلام الموقعين، تحقيق طه عبد الرؤوف طه ، مكتبة
الكليات الأزهرية، القاهرة ،ج4،(دون تاريخ) .
|
3- أبو الحسن علي
الحسن : مروج الذهب ومعادن الجوهر، دار الأندلس، بيروت،ج3،
1965م.
|
4- الأمام أبي الفداء الحافظ أبن كثير الدمشقي :
تفسير ابن كثير، مكتبة النور العلمية ، بيروت ،ج2،ط1992م.
|
5- الأمام القاسم بن سلام أبو عبيد : الأموال ، تحقيق
محمد خليل هراس ، مكتبة الكليات الأزهرية ، ط ، 1968م.
|
6- الإمام النووي أبي زكريا يحيى بن شرف النووي الدمشقي : مؤسسة المعارف ،
بيروت ، ط ، 2004م.
|
7- الأمام أبو عبد محمد بن إدريس الشافعي القرشي المطلبي : الأم ، بيت
الأفكار الدولية للطباعة والنشر ، الرياض،(دون تاريخ).
|
8- أبو عبيد القاسم ابن سلام : كتاب
الأموال، مكتبة الكليات الأزهرية ، القاهرة ، 1975م.
|
9- محمد بن جرير الطبري: تاريخ الرسل والملوك ، ج4 ، (دون تاريخ).
|
10- محمد بن جرير الطبري : تفسير الطبري
من كتاب جامع البيان في تأويل القرآن، ج4، (دون
تاريخ).
|
11- الأمام بن محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي : المغني ،
مكتبة القاهرة ، ط6، 1969م.
|
12- أحمد الحصري : السياسة
الاقتصادية والنظم المالية في الفقه الإسلامي، دار الكتاب العربي، ط1، 1986م.
|
13- أحمد بن الحسين البيهقي:
مناقب الشافعي، تحقيق أحمد صقر، مكتبة دار التراث، القاهرة، ط ، 1971م.
|
14- أخوان الصفا وخلان الوفاء : رسائل أخوان
الصفا ، منشورات عويدات ، بيروت ، ج1 ، ط1 ، 1995م.
|
15- بسام العسلي : المذهب العسكري الإسلامي ، دار النفائس
للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت ، ط1، 1993م.
|
16- جاد الحق على جاد الحق : الفقه الإسلامي
، معهد الدراسات الإسلامية ، القاهرة ، ط1، 1986م.
|
17- جلال الدين محمد بن أحمد
المحلى " و" الشيخ المتبحر
جلال عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ، تفسير الامامين الجليلين ، دار
المعرفة ، بيروت ،(دون تاريخ).
|
18- جمال البنا : الإسلام والحركة
النقابية ، مطبعة النصر، القاهرة، ط ،1981م.
|
19- حاتم القرنشاوي: التمويل والتنمية في إطار اقتصاد
إسلامي(ندوة دولية)، القاهرة، 1986م.
|
20- حسن إبراهيم حسن :
تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي، دار الجيل ، بيروت ،ط13،
1991م.
|
21- حسنين محمد مخلوف : صفوة البيان
لمعاني القرآن ، وزارة الأوقاف ، دولة الإمارات العربية ، أبو ظبي، (دون تاريخ).
|
22- زكريا يحيى شرف النووي الدمشقي : رياض الصالحين ،
مؤسسة المعارف ، بيروت ، ط ،2004م.
|
23- شوقي أبو خليل : الحضارة العربية
الإسلامية ، دار الفكر ، دمشق ، ط2، 1996م.
|
24- ظافرالقاسمي : نظام
الحكم في الشريعة والتاريخ الإسلامي، دار النفائس، بيروت ،ج1،1983م.
|
25- عبد الرحمن علي ابن الجوزي : الشفاء في مواعظ الملوك
والخلفاء، تحقيق فؤاد أحمد ومحمد الصفطاوي،
مؤسسة شباب الجامعة ، الإسكندرية ، 1978م.
|
26-عبد الرحمن على فلاح : الدولة في الإسلام
، دار السلام ، القاهرة ، ط1 ، 2000م.
|
27-عبد الله بن عبد
الرحمن صالح آل بسام : تيسير العلام ، شرح عمدة الأحكام ،الإسكندرية، دار العقيدة،ج2،2002م.
|
28-عبد المنعم النمر : الاجتهاد ،
الهيئة المصرية للكتاب ، القاهرة ، 1978م.
|
29- على كنعان:
الاقتصاد الإسلامي ، دار المعارف ،حمص ، ط1، 1997م.
|
30- علي محمد الماوردي : الأحكام
السلطانية ، مطبعة البابي الحلبي، القاهرة، 1966م.
|
31- غازي عناية : الاقتصاد
الإسلامي ، الزكاة والضريبة ، دار إحياء العلوم ، بيروت ،ط1، 1995م.
|
32- ماجد عرسان الكيلاني : الأمة المسلمة ،
العصر الحديث للنشر والتوزيع، بيروت، ط1، 1992م.
|
33- محمد أبي بكر ابن قيم الجوزية : زاد المعاد ،
تحقيق طه عبد الرؤوف طه ، مطبعة البابي الحلبي، القاهرة ،ج2(دون تاريخ).
|
34- محمد بن يزيد ابن ماجه سنن أبن
ماجه،تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي،مطبعة البابي الحلبي،القاهرة،ج2،(دون تاريخ).
|
35- محمد العمادي:
التنمية الاقتصادية والتخطيط ، جامعة دمشق ، المطبعة العلمية ، ط4،1971م.
|
36- محمد بك الخضري : الدولة العباسية ، المكتبة العصرية ،
بيروت،ط1، 2000م.
|
37- محمد سعيد رمضان البوطي: فقه السيرة
النبوية ، القاهرة، ( دون تاريخ).
|
38- محمد سهيل طقوش :
التاريخ الإسلامي، دار النفائس، بيروت،ط1،2002م.
|
39- محمد عبد المنعم الجمال : موسوعة الاقتصاد
الإسلامي، دار الكتب الإسلامية، القاهرة، ط2، 1986م.
|
40- محمود شلتوت :
الإسلام عقيدة وشريعة ، دار الشروق ، القاهرة ، ط16، 1992م.
|
41- مسلم الحجاج بن مسلم: صحيح مسلم، ج2،
دار الفكر،القاهرة،ط1981م.
|
42- مطانيوس حبيب :
التنمية الاقتصادية ، جامعة دمشق،مطبعة جامعة دمشق، 1989م.
|
تم بحمد
الله،،
[1] ) (أ) ابن قيم
الجوزية ، أعلام الموقعين، تحقيق طه عبد الرؤوف طه، مكتبة الكليات الأزهرية،
القاهرة ،ج4،(دون تاريخ) ،ص372- 379.
(ب)عبد
الرحمن على فلاح، الدولة في الإسلام ، دار السلام ، القاهرة ، ط1 ، 2000م، ص72.
[2] )عبد الرحمن بن علي
ابن الجوزي ، الشفاء في مواعظ الملوك والخلفاء، تحقيق فؤاد أحمد ومحمد الصفطاوي، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، 1978م، ص59.
[6] ) بسام العسلي ، المذهب العسكري الإسلامي ، دار النفائس للطباعة
والنشر والتوزيع، بيروت ، ط1، 1993م، ص101.
[10] ) الأمام الحافظ أبي
عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، صحيح البخاري، المكتبة العصرية ، بيروت ، ط1 ،
2002م،ص1270
[21] )
محمد عبد المنعم الجمال،
موسوعة الاقتصاد الإسلامي، دار الكتب الإسلامية، القاهرة، ط2، 1986م، ص335.
(ب) عبد الله بن عبد
الرحمن بن صالح آل بسام، تيسير العلام ، شرح عمدة الأحكام ،الإسكندرية، دار العقيدة ،
ج1،2002م، ص334.
[23] )(أ) جلال الدين
محمد بن أحمد المحلى "و" الشيخ المتبحر
جلال عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ، تفسير الامامين الجليلين ، دار
المعرفة ، بيروت ،(دون تاريخ) ، ص258.
(ب) غازي عناية ، الاقتصاد الإسلامي، الزكاة والضريبة ، دار إحياء العلوم
،بيروت ،ط1، 1995م، ص330.
(ت)
محمود شلتوت ، الإسلام عقيدة وشريعة ، دار الشروق ،القاهرة ، ط16، 1992م، ص259
[24] ) الأمام أبي الفداء
الحافظ أبن كثير الدمشقي ، تفسير ابن كثير،مكتبة النور العلمية،بيروت،ج2،ط1992م، ص326، ص196.
[25] ) محمد عبد المنعم
الجمال، مرجع سابق،ص296 ، ص336.
[35] ) محمد بك الخضري، الدولة العباسية، المكتبة
العصرية، بيروت، ط1،2000م، ص411.
[37] ) الأمام أبو عبد
محمد بن إدريس الشافعي القرشي المطلبي(150-204) هـ ، الأم ، بيت الأفكار الدولية
للطباعة والنشر ، الرياض،(دون تاريخ) ، ص1408.
[40] ) محمد بن أبي بكر
ابن قيم الجوزية ، زاد المعاد ، تحقيق طه عبد الرؤوف طه، مطبعة البابي الحلبي،
القاهرة ،ج2،ص202، ص203.
[42] ) حسن
إبراهيم حسن، تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي، دار الجيل ،
بيروت، ط13،1991م، ص248، ص253.
[44] ) جاد الحق على جاد
الحق ، الفقه الإسلامي ، معهد الدراسات الإسلامية ، القاهرة ، ط1، 1986م، ص160.
[46] ) أخوان الصفا وخلان
الوفاء، رسائل أخوان الصفا، منشورات عويدات ، بيروت ، ج1 ، ط1 ، 1995م، ص276،
ص281.
[56] )( أ)ابن تيمة،الحسبة في
الإسلام، دار الأرقم، الكويت، ط1983م، ص16.
(ب) محمد عبد المنعم الجمال، مرجع سابق،
ص343.
[58] ) أحمد الحصري ،السياسة الاقتصادية والنظم المالية في الفقه
الإسلامي، دار الكتاب العربي، ط1، 1986م، ص80.
[61] ) أبو عبيد القاسم ابن سلام، كتاب الأموال، مكتبة
الكليات الأزهرية، القاهرة، 1975م، ص32.
[62] ) مرجع سابق ، ص519، ص173.
[68] ) الأمام القاسم بن
سلام أبو عبيد ،الأموال ، تحقيق محمد خليل هراس، مكتبة الكليات الأزهرية، ط 1968م،
ص418.
(ب)
محمد بن يزيد ابن ماجه ،سنن أبن ماجه،تحقيقي محمد فؤاد عبد الباقي،مطبعة البابي
الحلبي،القاهرة،ج2، ص28.
[81] ) (أ) ابن كثير، مصدر
سابق،ج2،ص31.
(ب) ظافرالقاسمي ، نظام الحكم في الشريعة
والتاريخ الإسلامي، دار النفائس، بيروت،ج1،1983م، ص27.
(ت) جمال البنا، الإسلام والحركة النقابية،
مطبعة النصر، القاهرة، ط 1981م،ص37،ص61.
[82] ) حسنين محمد مخلوف ، صفوة البيان لمعاني القرآن
،وزارة الأوقاف ، دولة الإمارات العربية ، أبو ظبي، (دون تاريخ)،ص105-109.
[85] ) الأمام القاسم بن
سلام أبو عبيد ،الأموال ، تحقيق محمد خليل هراس، مكتبة الكليات الأزهرية، ط 1968م،
ص418.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق